للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يراعى في السارق، وقد قيل: يراعى في ذلك النصاب ربع دينار، قال ابن العربي: قال الشافعي وأصحاب الرأي: لا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قدر ما تقطع فيه يد السارق، وقال مالك: يحكم عليه بحكم المحارب، وهو الصحيح، فإن الله تعالى وقت على لسان نبيه - عليه الصلاة والسلام - القطع في السرقة في ربع دينار، ولم يؤقت في الحرابة شيئا، بل ذكر جزاء المحارب فانتفى ذلك توفية الجزاء لهم على المحاربة عن حية، ثم إن هذا قياس أصل على أصل، وهو مختلف فيه، وقياس الأعلى بالأدنى، والأدنى بالأسفل، وذلك عكس القياس، وكيف يصح أن يقاس المحارب على السارق، وهو يطلب خطف المال؟! فإن شعر به فر، حتى إن السارق إذا دخل بالسلاح يطلب المال فإن منع منه أو صيح عليه وحارب عليه فهو محارب يحكم عليه بحكم المحارب، قال القاضي ابن العربي: كنت في أيام حكمي بين الناس إذا جاءني أحد بسارق وقد دخل الدار بسكين يحبسه على قلب صاحب الدار وهو نائم وأصحابه يأخذون مال الرجل حكمت فيهم بحكم المحاربين، فافهموا هذا من أصل الدين وارتفعوا إلى بقاع العلم عن حضيض الجاهلين.

قلت: اليفع أعلى الجبل، ومنه غلام يفعة، إذا ارتفع إلى البلوغ، والحضيض: الحفرة في أسفل الوادي، كذا قال أهل اللغة.

السابعة - ولا خلاف في أن الحرابة يقتل فيها من قتل، وإن لم يكن المقتول مكافئا للقاتل، وللشافعي قولان: أحدهما: أنها تعتبر المكافأة؛ لأنه قتل فاعتبر فيه المكافأة كالقصاص، وهذا ضعيف؛ لأن القتل هنا ليس على مجرد القتل، وإنما هو على الفساد العام من التخويف وسلب المال، قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} (١) فأمر تعالى بإقامة الحدود على المحارب إذا جمع شيئين محاربة وسعي في الأرض بالفساد، ولم يخص شريفا من وضيع، ولا رفيعا من دنيء.

الثامنة - وإذا خرج المحاربون فاقتتلوا مع القافلة فقتل بعض المحاربين ولم يقتل بعض قتل الجميع، وقال الشافعي: لا يقتل إلا من قتل، وهذا أيضا ضعيف، فإن من حضر الوقيعة شركاء في الغنيمة، وإن لم يقتل جميعهم، وقد اتفق معنا على قتل الردة، وهو الطليعة، فالمحارب أولى.

التاسعة - وإذا أخاف المحاربون السبيل وقطعوا الطريق وجب على الإمام قتالهم من


(١) سورة المائدة الآية ٣٣