غير أن يدعوهم، ووجب على المسلمين التعاون على قتالهم وكفهم عن أذى المسلمين، فإن انهزموا لم يتبع منهم مدبرا إلا أن يكون قد قتل وأخذ مالا؛ فإن كان كذلك اتبع ليؤخذ ويقام عليه ما وجب لجنايته، ولا يدفف منهم على جريح إلا أن يكون قد قتل، فإن أخذوا ووجد في أيديهم مال لأحد بعينه رد إليه أو إلى ورثته، وإن لم يوجد له صاحب جعل في بيت المال، وما أتلفوه من مال لأحد غرموه ولا دية لمن قتلوا إذا قدر عليهم قبل التوبة، فإن تابوا وجاءوا تائبين وهي:
العاشرة: لم يكن للإمام عليهم سبيل، وسقط عنهم ما كان حدا لله، وأخذوا بحقوق الآدميين فاقتص منهم من النفس والجراح، وكان عليهم ما أتلفوه من مال ودم لأوليائه في ذلك، ويجوز لهم العفو والهبة كسائر الجناة من غير المحاربين، هذا مذهب مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، وإنما أخذ ما بأيديهم من الأموال وضمنوا قيمة ما استهلكوا؛ لأن ذلك غصب، فلا يجوز ملكه لهم، ويصرف إلى أربابه، أو يقفه الإمام عنده حتى يعلم صاحبه. وقال قوم من الصحابة والتابعين: لا يطلب من المال إلا بما وجد عنده، وإما ما استهلكه فلا يطلبه، وذكر الطبري ذلك عن مالك من رواية الوليد بن مسلم عنه، وهو الظاهر من فعل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بحارثة بن بدر الغداني؛ فإنه كان محاربا، ثم تاب قبل القدرة عليه. فكتب له بسقوط الأموال والدم عنه كتابا منشورا، قال ابن خويز منداد: واختلفت الرواية عن مالك في المحارب إذا أقيم عليه الحد، ولم يوجد له مال هل يتبع دينا بما أخذ أو يسقط عنه كما يسقط عن السارق؟ والمسلم والذمي في ذلك سواء.
الحادية عشرة - وأجمع أهل العلم على أن السلطان ولي من حارب فإن قتل محارب أخا امرئ أو أباه في حال المحاربة فليس إلى طالب الدم من أمر المحارب شيء، ولا يجوز عفو ولي الدم، والقائم بذلك الإمام، جعلوا ذلك بمنزلة حد من حدود الله تعالى.
قلت: فهذه جملة من أحكام المحاربين جمعنا غررها واجتلينا دررها، ومن أغرب ما قيل في تفسيرها وهي:
الثانية عشرة - تفسير مجاهد لها، قال مجاهد: المراد بالمحاربة في هذه الآية الزنى والسرقة، وليس بصحيح، فإن الله سبحانه بين في كتابه وعلى لسان نبيه أن السارق تقطع يده، وأن الزاني يجلد ويغرب إن كان بكرا ويرجم إن كان ثيبا محصنا. وأحكام المحارب