للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذه الآية مخالف لذلك؛ اللهم إلا أن يريد إخافة الطريق بإظهار السلاح قصدا للغلبة على الفروج؛ فهذا أفحش المحاربة، وأقبح من أخذ الأموال، وقد دخل هذا في معنى قوله تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (١)

الثالثة عشر - قال علماؤنا ويناشد اللص بالله تعالى، فإن كف ترك، وإن أبى قوتل، فإن أنت قتلته فشر قتيل، ودمه هدر. روى النسائي عن أبي هريرة: «أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أرأيت إن عدي على مالي؟ قال: فانشد بالله، قال: فإن أبوا علي، قال فانشد بالله، قال: فإن أبوا علي، قال: فانشد بالله، قال: فإن أبوا علي، قال: فقاتل، فإن قتلت ففي الجنة، وإن قتلت ففي النار (٢)» وأخرجه البخاري ومسلم. وليس فيه ذكر المناشدة - عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني، قال: فقاتله، قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد، قال: إن قتلته؟ قال: هو في النار (٣)»، قال ابن المنذر: وروينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أنفسهم وأموالهم هذا مذهب ابن عمرو الحسن البصع وإياهم النخعي وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والنعمان، وبهذا يقول عوام أهل العلم للرجل أن يقاتل عن نفسه وأهله وماله إذا أريد ظلما؛ للأخبار التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخص وقتا دون وقت، ولا حالا دون حال، إلا السلطان فإن جماعة أهل الحديث كالمجتمعين على أن من لم يمكنه أن يمنع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته أنه لا يحاربه ولا يخرج عليه للأخبار الدالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي فيها الأمر بالصبر على ما يكون منهم من الجور والظلم وترك قتالهم والخروج عليهم ما أقاموا الصلاة.

قلت: وقد اختلف مذهبنا إذا طلب الشيء الخفيف، كالثوب والطعام هل يعطونه ويقاتلون، وهذا الخلاف مبني على أصل، وهو هل الأمر بقتالهم لأنه تغيير منكر أو هو من باب دفع الضرر، وعلى هذا أيضا ينبني الخلاف في دعوتهم قبل القتال. والله أعلم.

الرابعة عشر - قوله تعالى: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} (٤) لشناعة المحاربة، وعظم ضررها، وإنما كانت المحاربة عظيمة الضرر؛ لأن فيها سد سبيل الكسب على الناس؛ لأن أكثر المكاسب وأعظمها التجارات وركنها وعمادها الضرب في الأرض كما قال - عز وجل -:


(١) سورة المائدة الآية ٣٣
(٢) سنن النسائي تحريم الدم (٤٠٨٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٣٩).
(٣) صحيح مسلم الإيمان (١٤٠).
(٤) سورة المائدة الآية ٣٣