دون القتل حق لآدمي فلم يسقط به كذنوبهم، وفارق حق الله تعالى؛ فإنه مبني على المسامحة.
(القسم الثالث): أن تجتمع حدود الله وحدود الآدميين، وهذه ثلاثة أنواع:
(أحدهما): أن لا يكون فيها قتل، فهذه تستوفى كلها، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وعن مالك أن حدي الشرب والقذف يتداخلان لاستوائهما فهما كالقتلين والقطعين.
ولنا أنهما حدان من جنسين لا يفوت بهما المحل فلم يتداخلا كحد الزنا والشرب، ولا نسلم استواءهما، فإن حد الشرب أربعون، وحد القذف ثمانون، وإن سلم استواؤها لم يلزم تداخلهما؛ لأن ذلك لو اقتضى تداخلهما لوجب دخولهما في حد الزنا؛ لأن الأقل مما يتداخل يدخل في الأكثر، وفارق القتلين والقطعين؛ لأن المحل يفوت بالأول فيتعذر استيفاء الثاني، وهذا بخلافه فعلى هذا يبدأ بحد القذف؛ لأنه اجتمع فيه معنيان خفته، وكونه حقا الآدمي شحيح إلا إذا قلنا: حد الشرب أربعون، فإنه يبدأ به لخفته، ثم بحد القذف، وأيهما قدم فالآخر يليه ثم بحد الزنا فإنه لا إتلاف فيه ثم بالقطع، هكذا ذكره القاضي، وقال أبو الخطاب: يبدأ بالقطع قصاصا؛ لأنه حق آدمي متمحض، فإذا برأ حد للقذف، إذا قلنا هو حق آدمي ثم بحد الشرب فإذا برأ حد للزنا؛ لأن حق الآدمي يجب تقديمه لتأكيده.
(النوع الثاني) أن تجتمع حدود الله تعالى وحدود الآدمي وفيها قتل؛ فإن حدود الله تعالى تدخل في القتل، سواء كان من حدود الله تعالى كالرجم في الزنا والقتل للمحاربة أو الردة، أو لحق آدمي كالقصاص لما قدمناه، وأما حقوق الآدمي فتستوفى كلها ثم إن كان القتل حقا لله تعالى استوفيت الحقوق كلها متوالية؛ لأنه لا بد من فوات نفسه فلا فائدة في التأخير، وإن كان القتل حقا لآدمي انتظر باستيفائه الثاني براءة من الأول لوجهين:(أحدهما): أن الولاة بينهما يحتمل أن تفوت نفسه قبل القصاص فيفوت حق الآدمي، (والثاني) أن العفو جائز فتأخره يحتمل أن يعفو الولي فيحيا بخلاف القتل حقا لله سبحانه.
(النوع الثالث): أن يتفق الحقان في محل واحد، ويكون تفويتا كالقتل والقطع قصاصا وحدا، فإن كان فيه ما هو خالص لحق الله تعالى كالرجم في الزنا، وما هو حق الآدمي كالقصاص، قدم القصاص لتأكد حق الآدمي، وإن اجتمع القتل للقتل في المحاربة والقصاص، بدئ بأسبقهما؛ لأن القتل في المحاربة فيه حق لآدمي أيضا، فيقدم أسبقهما، فإن