للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورسوله، روى مسلم في صحيحه، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من أحدث حدثا، أو آوى محدثا (١)»، وإذا ظفر بهذا الذي آوى المحدث، فإنه يطلب منه إحضاره أو الإعلام به، فإن امتنع عوقب بالحبس والضرب مرة بعد مرة حتى يمكن من ذلك المحدث، كما ذكرنا أنه يعاقب الممتنع من أداء المال الواجب، فمن وجب حضوره من النفوس والأموال يعاقب من منع حضورها.

ولو كان رجلا يعرف مكان المال المطلوب بحق أو الرجل المطلوب بحق وهو الذي يمنعه، فإنه يجب عليه الإعلام به، والدلالة عليه، ولا يجوز كتمانه، فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وذلك واجب: بخلاف ما لو كان النفس أو المال مطلوبا بباطل، فإنه لا يحل الإعلام به؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، بل يجب الدفع عنه: لأن نصر المظلوم واجب، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قلت: يا رسول الله، أنصره مظلوما. فكيف أنصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه (٢)».

وروى مسلم نحوه عن جابر، وفي الصحيحين عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، وإجابة الدعوة، ونصر المظلوم، ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن الشرب بالفضة، وعن المياثر، وعن لبس الحرير، والقسي، والديباج، والإستبرق (٣)»، فإن امتنع هذا العالم به من الإعلام بمكانه جازت عقوبته بالحبس وغيره، حتى يخبر به؛ لأنه امتنع من حق واجب عليه، لا تدخله النيابة فعوقب كما تقدم، ولا تجوز عقوبته على ذلك إلا إذا عرف أنه عالم به.

وهذا مطرد في ما تتولاه الولاة والقضاء وغيرهم، في كل من امتنع من واجب من قول أو فعل، وليس هذا بمطالبة للرجل بحق وجب على غيره، ولا عقوبة على جناية غيره، حتى يدخل في قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٤)، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا لا يجني جان إلا على نفسه (٥)»، وإنما ذلك مثل أن يطلب بمال قد وجب على غيره، وهو ليس


(١) صحيح البخاري الحج (١٨٧٠)، صحيح مسلم الحج (١٣٧٠)، سنن النسائي القسامة (٤٧٣٤)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١١٩).
(٢) صحيح البخاري الإكراه (٦٩٥٢)، سنن الترمذي الفتن (٢٢٥٥)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٩٩).
(٣) صحيح البخاري النكاح (٥١٧٥)، صحيح مسلم اللباس والزينة (٢٠٦٦)، سنن الترمذي الأدب (٢٨٠٩)، سنن النسائي الجنائز (١٩٣٩)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٨٧).
(٤) سورة الأنعام الآية ١٦٤
(٥) سنن الترمذي الفتن (٢١٥٩)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٥٥).