للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكيلا ولا ضامنا ولا له عنده مال، أو يعاقب الرجل بجريمة قريبة أو جاره، من غير أن يكون هو قد أذنب، لا يترك واجب، ولا يفعل محرم، فهذا الذي لا يحل، فإنما هذا، فإنما يعاقب على ذنب نفسه، وهو أن يكون قد علم مكان الظالم الذي يطلب حضوره لاستيفاء الحق أو يعلم المال الذي قد تعلق به حقوق المستحقين، فيمتنع من الإعانة والنصرة الواجبة عليه في الكتاب والسنة والإجماع، إما محاباة أو حمية لذلك الظالم، كما قد يفعل أهل العصبية بعضهم ببعض، وإما معاداة أو بغضا للمظلوم، وقد قال الله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (١).

وإما إعراضا - عن القيام لله، والقيام بالقسط الذي أوجبه الله - وجبنا وفشلا وخذلانا لدينه، كما يفعل التاركون لنصر الله ورسوله ودينه وكتابه، الذين إذا قيل لهم: انفروا في سبيل الله اثاقلوا إلى الأرض.

وعلى كل تقدير فهذا الضرب، يستحق العقوبة باتفاق العلماء.

ومن لم يسلك هذه السبل، عطل الحدود وضيع الحقوق، وأكل القوي الضعيف.

وهو يشبه من عنده مال الظالم المماطل من عين أو دين، وقد امتنع من تسليمه لحاكم عادل يوفي به دينه. أو يؤدي منه النفقة الواجبة عليه لأهله أو أقاربه أو مماليكه أو بهائمه، وكثيرا ما يجب على الرجل حق بسبب غيره، كما تجب عليه النفقة بسبب حاجة قريبة، وكما تجب الدية على عاقلة القاتل، وهذا الضرب من التعزير عقوبة لمن علم أن عنده مالا أو نفسا يجب إحضاره، وهو لا يحضره، كالقطاع والسراق وحماتهم، أو علم أنه خبير به وهو لا يخبر بمكانه، فأما إن امتنع من الإخبار والإحضار لئلا يتعدى عليه الطالب أو يظلمه فهذا محسن، وكثيرا ما يشتبه أحدهما بالآخر، ويجتمع شبهة وشهوة، والواجب تمييز الحق من الباطل.

وهذا يقع كثيرا في الرؤساء من أهل البادية والحاضرة إذا استجار بهم مستجير، أو كان بينهما قرابة أو صداقة؛ فإنهم يرون الحمية الجاهلية، والعزة بالإثم، والسمعة عند الأوباش، أنهم ينصرونه - وإن كان ظالما مبطلا - على المحق المظلوم: لا سيما إن كان الظالم رئيسا


(١) سورة المائدة الآية ٨