للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأبي جعفر في تآليفه عبارة وبلاغة، فمما قاله في كتاب: " الآداب النفيسة والأخلاق الحميدة ": القول في البيان عن الحال الذي يجب على العبد مراعاة حاله فيما يصدر من عمله لله عن نفسه، قال: (إنه لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوه الموكل به عن دعائه إلى سبيله، والقعود له رصدا بطرق ربه المستقيمة، صادا له عنها، كما قال لربه -عز ذكره- إذ جعله من المنظرين: لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم طمعا منه في تصديق ظنه عليه إذ قال لربه: لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا.

فحق على كل ذي حجى أن يجهد نفسه في تكذيب ظنه، وتخييبه منه أمله وسعيه فيما أرغمه، ولا شيء من فعل العبد أبلغ في مكروهه من طاعته ربه، وعصيانه أمره، ولا شيء أسر إليه من عصيانه ربه، واتباعه أمره.

فكلام أبي جعفر من هذا النمط، وهو كثير مفيد.

وقد حكى أبو علي التنوخي في " النشوار " له، عن عثمان بن محمد السلمي قال: حدثني ابن منجو القائد، قال: حدثني غلام لابن المزوق، قال: اشترى مولاي جارية، فزوجنيها، فأحببتها وأبغضتني حتى ضجرت، فقلت لها: أنت طالق ثلاثا، لا تخاطبيني بشيء إلا قلت لك مثله، فكم أحتملك؟ فقالت في الحال: أنت طالق ثلاثا. فأبلست، فدللت على محمد بن جرير، فقال لي: أقم معها بعد أن تقول لها: أنت طالق ثلاثا إن طلقتك.

فاستحسن هذا الجواب. وذكره شيخ الحنابلة ابن عقيل، وقال: وله جواب آخر: أن يقول كقولها سواء: أنت طالق. ثلاثا -بفتح التاء- فلا يحنث. وقال أبو الفرج ابن الجوزي: وما كان يلزمه أن يقول لها ذاك على الفور، فله التمادي إلى قبل الموت.

قلت: ولو قال: أنت طالق ثلاثا، وقصد الاستفهام أو عنى أنها طالق من وثاق، أو عنى الطلق لم يقع طلاق في باطن الأمر.