للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا المبدأ الأساسي، ولم تؤسس على هذا البناء الراسخ، ولم تقم على تحقيق التوحيد، وتخليصه من شوائب الشرك والبدع والمعاصي؛ فإنها دعوة سيكتب لها الفشل لا محالة، عاجلا أم آجلا؛ لأن البناء لا يقوم في الهواء، ولا يمكن تشييده إلا على أرض صلبة حتى لا يتعرض للانهيار يوما من الأيام.

قال الله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (١).

وحينما نقول: إن مبنى التضامن الإسلامي على عقيدة التوحيد وعندما ندعو إلى وجوب الانطلاق من هذا المبدأ، فإن ذلك لا يعني إهمال الجوانب الأخرى التي أشرنا إليها أو إلى بعضها في ما مضى، وإنما نعني وجوب التأسيس، وذلك بأن نبدأ أعمالنا كلها من هذا المنطلق.

فعلى ضوئه تكون السياسة، وعلى منهجه نبني الآداب والأخلاق، وفي حدوده ندعو إلى الترغيب والترهيب، وعلى مبادئه يوجد بإذن الله تعالى المجتمع الإسلامي الصالح المنشود، وتوجد السعادة البشرية في الدنيا والآخرة، ويعود الناس إلى دين الله أفواجا فينعمون بالخير والأمن والطمأنينة، وفق هدى العقيدة الخالصة الوارفة الظلال، فيتخلصون بذلك من أدران الوثنية وأوضار الجهل، وحينئذ تصفو قلوبهم، وتخلص لله، وتخلع ربقة الشرك الذي ران عليها سنين طويلة، والذي هو أعظم ذنب عصي به الله - عز وجل -، منذ أن انحرف الناس عن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها حتى وقعوا فيما وقعوا فيه من الإفراط والتفريط والغلو والتقصير، فلقد كان الإنسان في أول خلقه على المنهج الرباني الصحيح، عقيدة وسلوكا، وأخلاقا وعبادة ومعاملة، حقبة من الزمن.

يذكر علماء التاريخ والسير بأنها تقدر بعشرة قرون، إلى أن بدأ الانحراف في العقيدة، في أولئك القوم الذين بعث الله فيهم نوحا - عليه الصلاة والسلام -، بعد أن زين لهم الشيطان عبادة الأصنام والأوثان، بسبب الغلو في الصالحين؛ فقد روى البخاري - رحمه الله - في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (٢)


(١) سورة التوبة الآية ١٠٩
(٢) سورة نوح الآية ٢٣