للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى جعلوه ولد بغي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - يرحمه الله -: " ومن تشبه من هذه الأمة باليهود والنصارى، وغلا في الحين بإفراط أو تفريط، وضاهاهم في ذلك، فقد شابههم، كالخوارج المارقين من الإسلام الذين خرجوا في خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقاتلهم حين خرجوا على المسلمين، وكان قاتلهم بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت ذلك من عشرة أوجه في الصحاح، والمسانيد وغير ذلك، وكذلك من غلا في دينه من الرافضة والقدرية والجهمية والمعتزلة "، وقال أيضا: " فإذا كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من انتسب إلى الإسلام وقد مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان، قد يمرق أيضا من الإسلام، وذلك بأسباب منها الغلو الذي ذمه الله في كتابه، حيث قال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (١) اهـ.

وهذا الكلام يدل دلالة واضحة على أن أعظم فتنة ابتليت بها البشرية إنما هي فتنة الغلو الذي جاء التحذير منه في غير ما آية وحديث، وقد تقدم من الآيات ما يوضح ذلك، أما الأحاديث فمنها ما ثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله (٢)»، وثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو (٣)».

وهذه نصوص صريحة وواضحة في أن سبب الانحراف عن العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة إنما هو ذلك الغلو ومجاوزة الحد الذي أدى بالتالي إلى صرف العبادة إلى غير الله - سبحانه وتعالى -، الأمر الذي من أجله بعث الله الرسل لإعادة الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ذلكم هو الهدف الأسمى الذي أوجد الله من أجله الثقلين: الجن والإنس، فكل عاقل في هذا الوجود يعرف أنه مخلوق لخالق، ومربوب لرب، أوجده بعد أن لم يكن.

لو طرح سؤال مفاده: لماذا خلقت في هذه الحياة؟ ولماذا فضلت على سائر الكائنات الأخرى؟ وما هي مهمتك في هذه الحياة؟ فإن الجواب عند المؤمن حاضر بكل


(١) سورة النساء الآية ١٧١
(٢) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٥٦).
(٣) سنن النسائي مناسك الحج (٣٠٥٧).