للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عز وجل على العرش فوق السماوات السبع، أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة؛ رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم - تبارك وتعالى -، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم.

قال: وأما احتجاجهم بقوله عز وجل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (١) فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية؛ لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التآويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.

ذكر سنيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} (٢) الآية. قال: هو على عرشه، وعلمه معهم أين ما كانوا، قال: وبلغني عن سفيان الثوري مثله. انتهى.

وقد نقل شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله تعالى - جملة من كلامه، وتقدم ذكرها، وكذلك الذهبي فإنه نقل بعض كلام ابن عبد البر في كتاب " العلو"، ونقله أيضا ابن القيم في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية"، وأقره كل منهم.

وفيما ذكره ابن عبد البر من الموحدين أنهم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة؛ رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم، أبلغ رد على من زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية، ولو كان الأمر على ما زعمه القائل على الله بغير علم، لكان الرب مع أهل الأرض بذاته، فلا يضطرون إلى رفع رءوسهم إلى السماء عند الكرب ونزول الشدائد، بل يوجهون وجوههم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم.

وهذا معلوم البطلان بالضرورة عند كل مؤمن يعلم أن الله تعالى فوق جميع المخلوقات، وأنه مستو على عرشه، بائن من خلقه.

ومن أبلغ الرد أيضا على من زعم أن معية لله لخلقه معية ذاتية، ما ذكر ابن عبد البر عن علماء الصحابة والتابعين أنهم قالوا في تأويل قول الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (٣) قالوا: هو على العرش، وعلمه في كل مكان. قال: وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.

وقال الشيخ الموفق أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي في كتابه "لمعة الاعتقاد" بعد أن ذكر قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (٤) وقوله:


(١) سورة المجادلة الآية ٧
(٢) سورة المجادلة الآية ٧
(٣) سورة المجادلة الآية ٧
(٤) سورة طه الآية ٥