سبحانه علي في دنوه، قريب في علوه، فإنه لو كان معنى المعية مجرد العلم، ما احتاجوا إلى ذكر ذلك؛ لأن تصور المنافاة بين عموم العلم وعلو الذات غير وارد ولا مورد أيضا.
ب- قول ابن القيم - رحمه الله تعالى - في "مختصر الصواعق": والذي يسهل عليك فهم هذا إلى آخر ما نقلناه عنه في هذه الورقات. وقول الشنقيطي في تفسيره - رحمه الله تعالى -: فالكائنات في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل - إلى أن قال: - فهو سبحانه مستو على عرشه، كما قال على الكيفية اللائقة بكماله وجلاله وهو محيط بخلقه كأنهم (١) قبضة يده.
ج- قول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: فهو قريب من المحسنين بذاته ورحمته قربا ليس له نظير، وهو مع ذلك فقو سماواته على عرشه. فأثبت له القرب الذاتي مع علوه قربا ليس له نظير.
فالجواب عن أول كلامه من وجهين أحدهما: أن يقال: إن آخر كلامه ينقض أوله. وذلك أنه أثبت المعية الذاتية للخلق، وإثباتها يستلزم إثبات الحلول معهم في أمكنتهم. كما أن نفي الحلول مع الخلق يستلزم نفي المعية الذاتية لهم. وحيث إن المردود عليه قد أثبت المعية الذاتية للخلق، وفي الحلول معهم في أمكنتهم، فقد وقع في التناقض، وإذا فلا بد له من أحد أمرين: إما أن يثبت المعية الذاتية للخلق والحلول معهم في أمكنتهم، ويكون من الحلولية الذين يقولون: إن الله بذاته فوق العالم، وهو بذاته في كل مكان. وإما أن ينفي المعية الذاتية للخلق، والحلول معهم في أمكنتهم، ويكون من أهل السنة والجماعة الذين قد أجمعوا على أن الله تعالى مستو على عرشه فوق جميع المخلوقات، وأنه تعالى مع عموم الخلق بالعلم والمشاهدة والسماع لأقوالهم وحركاتهم، وأنه يخص أنبياءه وأولياءه بمعية النصر والتأييد والكفاية. فليختر المردود عليه ما يناسبه من أحد الأمرين.
الوجه الثاني: أن يقال: إنه ليس في كلام شيخ الإسلام وابن القيم والشنقيطي ما يؤيد زعم المردود عليه أن معية الله لخلقه معية ذاتية، وإنما الذي في كلامهم إثبات معية العلم والقدرة، والإحاطة والسماع والرؤية لعموم الخلق. وإثبات معية النصر والتأييد والكفاية لأنبياء الله وأوليائه.
وأما قول شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: إن ما ذكر من معية الله تعالى لا ينافي ما
(١) قوله: كأنهم كذا هو بخط المردود عليه وصوابه كلهم.