للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر من علوه، فراده بالمعية: معية العلم والقدرة والسلطان لعموم الخلق، ومعية الإعانة والنصر والتأييد لأنبياء الله وأوليائه. وهذا واضح في كلامه المنقول من "شرح حديث النزول "، وقد تقدم ذكره قريبا، فليراجع.

وأما قول ابن القيم: والذي يسهل عليك فهم هذا؛ معرفة عظمة الرب، وإحاطته بخلقه، وأن السماوات السبع في يده كخردلة في يد العبد، وأنه سبحانه يقبض السماوات بيده والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن فكيف يستحيل في حق من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه، ويقرب من خلقه كيف شاء، وهو على العرش. فمراده ما صرح به قبل هذه الجملة، وهو أن الله تعالى يقرب من عباده في آخر الليل، وهو فوق عرشه، ويدنو من أهل عرفة عشية عرفة، وهو فوق عرشه، وأن المعية العامة يكون من لازمها العلم والتدبير والقدرة، وأما المعية الخاصة فإنه يكون من لازمها النصر والتأييد والمعونة، وقد تقدم قريبا ما نقله ابن القيم عن القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني أنه قال في المعية الخاصة: إنها بالحفظ والنصر والتأييد، قال: ولم يرد أن ذاته معهم. وقال في المعية العامة: إنه عالم بهم وبما خفي من سرهم ونجواهم. وقد أقره ابن القيم على هذا القول وفيه- مع مما تقدم من كلا ابن القيم، وما نقله من الإجماع على أن معنى قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (١) ونحو ذلك في القرآن: أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء - أبلغ رد على من زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية.

وأما الشنقيطي فقد تقدم كلامه قريبا، وفيه التصريح بأن المعية الخاصة هي بالإعانة والنصر والتوفيق. وأما في المعية العامة لجميع الخلق فهي بالإحاطة التامة والعلم، ونفوذ القدرة، وكون الجميع في قبضته جل وعلا، قال: وهو مستو على عرشه على الكيفية اللائقة بكماله وجلاله. فكلام الشنقيطي فيه أبلغ رد على من زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية.

وأما قول ابن القيم: فهو قريب من المحسنين بذاته ورحمته قربا ليس له نظير، وقول المردود عليه فأثبت له القرب الذاتي مع علوه قربا ليس له نظير.

فجوابه أن يقال: أما قرب رحمة الله تعالى من المحسنين فهو ثابت في القرآن، قال الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (٢)، وأما قرب ذاته منهم فليس عليه


(١) سورة الحديد الآية ٤
(٢) سورة الأعراف الآية ٥٦