للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دليل ينص عليه لا من القرآن ولا من السنة، وما ليس عليه دليل ينص عليه فليس عليه تعويل.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينزل ربنا - تبارك وتعالى - كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر (١)»، وجاء في حديث مرفوع: «إن الله تعالى يهبط إلى السماء الدنيا عشية عرفة، فيباهي بأهل الموقف الملائكة»، فيجب إثبات ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وإمراره كما جاء، وترك ما سوى ذلك من أقوال الناس، وإن كانوا من الأكابر المرموقين، قال الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (٢) وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (٣)، والكلام في الصفات بابه التوقيف ولا دخل للاجتهاد في ذلك أيضا.

وإذا علم هذا فليعلم أن من أثبت لله صفة لم ترد في القرآن ولا في السنة، فقوله مردود عليه كائنا من كان، والدليل على ذلك ما أمر الله به في الآيتين من سورة الأعراف.

وأما قول المردود عليه: وهكذا نقول في المعية: نثبت لربنا معية حقيقية ذاتية، تليق بعظمته وجلاله، ولا تشبه معية المخلوق للمخلوق، ونثبت مع ذلك علوه على خلقه، واستواءه على عرشه على الوجه اللائق بجلاله، لا نكيف ذلك ولا نتصور له كيفية؛ لأن تكييفنا له قول على الله بلا علم، وتصورنا لذلك كيفية محاولة لما لا يمكن الوصول إليه ولا القول به.

ونرى أن من زعم أن الله تعالى بذاته في كل مكان، فهو كافر أو ضال إن اعتقده، وكاذب إن نسبه إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها، فعقيدتنا أن لله تعالى معية حقيقية ذاتية تليق به، وتقتضي إحاطته بكل شيء علما وقدرة وسمعا وبصرا وسلطانا وتدبيرا، وأنه سبحانه منزه أن يكون مختلطا بالخلق أو حالا في أمكنتهم، بل هو العلي بذاته وصفاته، وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وأنه على عرشه كما يليق بجلاله، وأن ذلك لا ينافي معيته؛ لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (٤) قاله مقررا له ومعتقدا له، منشرحا له صدره، كاتبه. . . في ٢٤/ ٦ / ١٤٠٣هـ التوقيع والختم.

فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال: إن إثبات المعية الذاتية لله تعالى مع خلقه لم يرد في القرآن ولا في السنة، ولا عن أحد من الصحابة ولا التابعين وتابعيهم، وأئمة العلم


(١) صحيح البخاري الجمعة (١١٤٥)، صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٧٥٨)، سنن الترمذي كتاب الدعوات (٣٤٩٨)، سنن أبو داود الصلاة (١٣١٥)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٦٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٦٥)، موطأ مالك النداء للصلاة (٤٩٦)، سنن الدارمي كتاب الصلاة (١٤٧٩).
(٢) سورة الأعراف الآية ٣
(٣) سورة الأعراف الآية ١٥٨
(٤) سورة الشورى الآية ١١