للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والهدى من بعدهم. ولم أر أحدا أثبتها سوى المردود عليه. وقد ذكرت قريبا أن من أثبت لله تعالى صفة لم ترد في القرآن ولا في السنة فقوله مردود عليه، وذكرت الدليل على ذلك من القرآن.

الوجه الثاني: أن يقال: إن كلام المردود عليه قد اشتمل على حق وباطل، فأما الذي فيه من الحق: فهو إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه على الوجه اللائق بجلاله، وأن الاستواء لا يكيف ولا تتصور كيفيته، وأن الله تعالى هو العالي بذاته وصفاته، وأن علوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وأنه محيط بكل شيء علما وقدرة وسمعا وبصرا وسلطانا وتدبيرا، وأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (١) ومن الحق فيه أيضا تكفير وتضليل من زعم أن الله تعالى بذاته في كل مكان، وتكذيب من نسب ذلك إلى أحد من سلف الأمة وأئمتها، وتنزيه الله تعالى عن الاختلاط بالخلق والحلول في أمكنتهم.

وأما الذي فيه من الباطل فهو: إثبات المعية الذاتية لله مع خلقه، ولا يخفى على من له علم وفهم أن إثبات المعية الذاتية لله مع خلقه، يستلزم الاختلاط بهم والحلول معهم في أمكنتهم، وهذا مما يجب تنزيه الله عنه، وفيه من الباطل أيضا زعمه أن المعية الذاتية لله مع الخلق تليق بعظمة الرب وجلاله، وهذا من قلب الحقيقة؛ لأن المعية الذاتية للرب مع خلقه تستلزم مخالطتهم والحلول معهم في أمكنتهم، وذلك ينافي عظمة الرب وجلاله وعلوه على جميع خلقه.

وفيه من الباطل أيضا جمعه بين إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه، وبين المعية الذاتية للخلق، وهذا من الجمع بين النقيضين. وفيه من الباطل أيضا زعمه أن علو الرب على خلقه، واستواءه على عرشه لا ينافي المعية الذاتية للخلق، وهذا من قلب الحقيقة؛ لأن علو الرب واستواءه على العرش الذي هو فوق جميع الخلق، ينافي المعية الذاتية التي تستلزم مخالطة الخلق والحلول معهم في أمكنتهم.

وفيه من الباطل أيضا تقريره لقوله: الباطل في المعية الذاتية، واعتقاده له، وانشراح صدره له. فكل هذا باطل وضلال، والله المسئول أن يرد صاحب المقال الباطل إلى الحق، وأن لا يجعله من دعاة الضلالة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وقد وقع الفراغ من كتابة هذا الرد في ٢٨/ ٣ / ١٤٠٤هـ على يد كاتبه الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود التويجري، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


(١) سورة الشورى الآية ١١