جنحوا إلى ما يسمى (التصوف) اليوم، ثم يسألهم أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟، ثم يعلن لهم أنه أعبدهم وأخشاهم لله مؤكدا ذلك بالقسم، كأنهم لا يعلمون ذلك. تقريعا لهم وتوبيخا، فأشعرهم أن الأساس في العبادة الاتباع دون الابتداع، وأن الكيفية مقدمة على الكم المخالف للسنة، ثم يختم التوبيخ بالبراءة أي بالإخبار أن من يرغب عن سنته وهديه ليس منه ولا هو على دينه الذي جاء به من عند الله.
ومما ينبغي التنويه به هنا أن حسن النية وسلامة القصد والرغبة في الإكثار من التعبد، كل هذه المعاني لا تشفع لصاحب البدعة لتقبل بدعته أو لتصبح حسنة وعملا صالحا. لأن هؤلاء الثلاثة لم يحملهم على ما عزموا عليه إلا الرغبة في الخير بالإكثار من عبادة الله رغبة فيما عند الله، فنيتهم صالحة، وقصدهم حسن، إلا أن الذي فاتهم هو التقيد بالسنة التي موافقتها هو الأساس في قبول الأعمال مع الإخلاص لله تعالى وحده.
وبعد:
لعل القارئ يلاحظ أن بدعة التصوف ظهرت أول ما ظهرت مغلفة بغلاف العبادة والزهد، وهما أمران مقبولان في الإسلام، بل مرغوب فيهما، ثم ظهرت على حقيقتها التي هي عليها الآن، وهذا شأن كل بدعة، إذ لا تكاد تظهر وتقبل إلا مغلفة بغلاف يحمل على الواجهة التي تقابل الناس معنى إسلاميا مقبولا، بل محبوبا.
ومن أمثلة ذلك: بدعة الاحتفال بالمولد التي ابتدعها الفاطميون بالقاهرة بدعوى محبة الرسول وآل البيت، حيث كانوا يحتفلون بمولد النبي عليه الصلاة والسلام في كل عام، ثم بمولد علي رضي الله عنه، ثم بمولد فاطمة رضي الله عنها، ثم بمولد الحسن والحسين، وأخيرا يحتفل بمولد الخليفة الحاضر، وهكذا لو تتبعت نشأة كل بدعة لوجدتها لا تظهر أول ما تظهر إلا في مثل هذا الغلاف المقبول. ومما يلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور احتفالات باسم أسبوع فلان أو شهر فلان أو مرور كذا سنة على الحركة الفلانية أو بعبارة بهذا المعنى، ومثل هذه الاحتفالات التي تعد - فيما يبدو للناس - إنما هي مجرد ذكرى لأولئك المجددين والمصلحين وإحياء لدعوتهم وحركتهم الإصلاحية، ولكنها سوف تتحول على المدى البعيد - والله أعلم - إلى جنس الاحتفالات التي تسمى اليوم عند العوام وأشباههم الاحتفالات الدينية، هكذا أتصور - والله أعلم.