والآيات في هذا المعنى كثيرة. وإحداث مثل هذه الموالد يفهما منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الأمة ما ينبغي أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك ما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك في خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، ورسوله صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين.
فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء. بل هو من المحدثات التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته كما تقدم ذلك في الحديثين السابقين، وقد جاء في معناهما أحاديث أخرى، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (١)» رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها، كشيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي وآخرين عملا بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاختلاط النساء بالرجال واستعمال آلات الملاهي وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد رددنا هذه المسألة - وهي الاحتفال بالمولد - إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا أن نشرع في دينه ما لم يأذن به، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه.
وقد رددنا ذلك أيضا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به، ولا فعله أصحابه رضي الله عنه، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام بل هو من البدع المحدثات التي أمرنا الله ورسوله بتركها والحذر منها. ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار؛ فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف
(١) صحيح مسلم الجمعة (٨٦٧)، سنن النسائي صلاة العيدين (١٥٧٨)، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (٢٩٥٤)، سنن ابن ماجه المقدمة (٤٥)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣١١)، سنن الدارمي المقدمة (٢٠٦).