للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله: إن مثل هذه الأخبار تفتح على الناس أبوابا من الفتن حيث تتطلع نفوس كثيرة إلى ادعائها كما حدث عن ادعاء كثيرين لأنفسهم بأنهم المهدي المنتظر، فأوقعوا الفرقة والقتال بين المسلمين، وإنه ليس ببعيد أن يقوم في الناس يوما من يدعي أنه المسيح المنتظر، فكيف تكون الحال حينئذ؟!

فجوابه أن يقال: إن الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ترد بمثل هذه الاحتمالات والتعليلات الخاطئة، بل تصدق وتقابل بالقبول والتسليم ولو افتتن بمضمونها من افتتن من الناس، وقد قال الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (١) وهكذا يقال في الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنها تقابل بالقبول والتصديق ولا يلتفت إلى ما يكون من أهل الفتن الذين يتأولون الأحاديث على غير تأويلها ويطبقونها على مالا تنطبق عليه.

ويقال أيضا: إن المهدي المنتظر إنما يخرج في آخر الزمان قرب خروج الدجال وعند انتشار الفوضى والفتن، ثم ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام فيصلي خلف المهدي أول ما ينزل كما جاء ذلك في حديث جابر الذي تقدم ذكره، ثم يذهب إلى الدجال فيقتله، وحينئذ يكون قيام الساعة قريبا جدا. وعلى هذا فمن ادعى من المفتونين أنه المهدي المنتظر ولم يخرج الدجال في زمانه فإنه دجال كاذب، وللمسيح ابن مريم علامتان لا تكونان لغيره من الناس، إحداهما: أنه يقتل الدجال كما تواتر بذلك الأحاديث، والثانية: أنه لا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، كما جاء ذلك فما حديث النواس بن سمعان الذي رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: غريب حسن صحيح. وفي هاتين العلامتين قطع لأطماع كل دجال يدعي أنه المسيح ابن مريم.

وقبل الختام أحب أن أنبه عبد الكريم الخطيب على خطورة الأمر في رد الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت من أحاديث أشراط الساعة مثل ظهور المهدي


(١) سورة النمل الآية ٩٢