للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كانت النتيجة هي أن الديانات السماوية هي الأصل، وأن لها السبق في الوجود الديني، وأن ما اعتراها من شوب أو خلل وما زاحمها من ديانات وضعية باطلة، إنما هو محض شذوذ وانحراف صدر عن فئات ضالة مضلة. . إذا كانت النتيجة هي هذا، فلنا أن نتساءل:

هل بدأت هذه الديانات السماوية واستمرت تتنزل ديانة إثر ديانة على نمط واحد، ثم انتهت وهي على هذا النمط دون تغير ولا تطور؟

أو أنها بدأت على نمط خاص، ثم تطورت إلى أنماط مختلفة، ثم انتهت بنمط آخر هو نسيج وحده؟

الواقع أن الأديان السماوية كلها جاءت متفقة ومختلفة: متفقة في أصولها، مختلفة في فروعها، كلها يتفق على الجوهر والحقيقة. . على أصول العقيدة، وأصول الشريعة: فهي جميعا تدعو إلى الإيمان بالله وحده، والإيمان بكل ما جاء عنه، والأخذ بكل ما يصل بالإنسان إلى الخير ويباعد بينه وبين الشر.

والقرآن الكريم يصرح بوحدة الديانات السماوية كلها في الأصل والجوهر، فيقول:

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (١).

أما فروع الشرائع وتفاصيلها، وسورها وطقوسها، فتختلف فيها الديانات السماوية اختلافا ظاهرا.

فمثلا فريضة الصلاة، جاءت بها كل الشرائع السماوية، ولكنها تختلف صورها من شريعة إلى شريعة: فهي في الشريعة الإسلامية قيام، وقراءة، وركوع، وسجود على كيفية معروفة، وفي الشريعة المسيحية ترانيم وتراتيل تتلى على هيئة خاصة.

ومثلا فريضة الصيام: جاءت بها كل الشرائع السماوية، كما يصرح بذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} (٢)، ولكنها تختلف صورتها من شريعة إلى شريعة، فالصوم في الشريعة الإسلامية: إمساك عن الطعام والشراب والنساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وفي الشريعة المسيحية: إمساك عن أكل كل ذي روح من الحيوان وما يتولد منه في وقت معين. . . .

وهكذا تختلف الشرائع السماوية في أمور كثيرة كلها فرعية غير أصلية وذلك في الحقيقة - كما أوضحناه - اختلاف في الأسلوب والمنهج لا في الجوهر والهدف، وقد جاء ذلك صريحا في قوله تعالى:


(١) سورة الشورى الآية ١٣
(٢) سورة البقرة الآية ١٨٣