للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحلته إلى الأحساء:

مكث الشيخ ببلدة الزبير أياما وأراد الرجوع إلى نجد بعد ضياع نفقته، وفي طريق عودته توجه إلى الأحساء ونزل بها ضيفا على الشيخ العالم عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي. وقد كان الشيخ ينشر دعوته في كل مكان يحل به ولا يضيع فرصة تمر به إلا أبدى رأيه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم توجه منها إلى " حريملاء " وكان أبوه عبد الوهاب قد انتقل إليها من العيينة، وأقام بها بعد أن حصل بينه وبين واليها منازعة، فعزله عن القضاء فترك له العيينة وأقام " بحريملاء " وفي حريملاء أقام الشيخ مع أبيه سنين يقرأ ويتعلم منه، ثم بدأ يعكف على دراسة القرآن الكريم وكتب السنة وتفاسير علماء السلف فاستفاد من ذلك فائدة كبيرة، وكان مما استفاد منه أكثر من غيره كتب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وكتب تلميذه الشيخ محمد بن القيم فقد وجد في كتبهما العلوم الصحيحة والأقوال المبنية على الكتاب والسنة والتحقيق والأحكام المطابقة للعقل والنقل مما زاده فهما وإدراكا، وأهله لأن يكون من الدعاة المخلصين الذين صمدوا أمام الإيذاء ووقفوا في وجه الطغيان وحملوا راية الحق والجهاد والإصلاح، فنادى بدعوته في حريملاء جهرا، ولم يفعل ذلك إلا بعد موت والده الذي كان يشفق عليه من الناس ولا يريده أن يشتد عليهم، فلما مات والده وكان ذلك سنة ألف ومائة وثلاث وخمسين من الهجرة أعلن دعوته وجهر بها بين الناس، واشتد في إنكاره لمظاهر الشرك والبدع وجد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ يدعو إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة وجعل يلوم على العلماء تهاونهم وكتمهم الحق عن الناس وكان يخاطبهم بقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (١).

أهل حريملاء يستجيبون للشيخ: استجاب للشيخ بعض أهل حريملاء واشتهر أمره وذاع صيته بين الناس، فوفد عليه أناس كثيرون من البلدان المجاورة وشرعوا في قراءة التفسير والحديث والتوحيد والسيرة عليه وكذلك الفقه، فكثر أتباعه وصار ينكر كل ما يراه مخالفا للشريعة، وأنكر على بعض الموالي لرؤساء وأعيان حريملاء فسقهم وفجورهم


(١) سورة البقرة الآية ١٥٩