للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى هذا: أن الديانات السماوية تكون في مجموعها صرحا واحدا، اشترك الأنبياء جميعا في بنائه، فما من نبي بعث إلا وقد وضع فيه لبنة، حتى إذا شارف البنيان النهاية ولم يبق منه إلا موضع لبنة بها يتم صلاحه ويكمل حسنه، بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم مبشرا بالإسلام وداعيا له، فكان -عليه الصلاة والسلام- بما جاء به من الدين الإسلامي - اللبنة المتممة للبناء، المكملة لحسنه وجماله، وبه أتم الله صرح الديانات التي تعاقبت جيلا بعد جيل.

* * *

وهكذا شاءت حكمة الله تعالى أن يرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بدين أعلى ما يكون هداية وإرشادا، وأسمى ما يكون تشريعا وتبصيرا، وختم الله برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الرسالات، وجعلها للناس كافة ولم تكن لقومه خاصة.

ولكن لم كانت رسالة محمد هي خاتم الرسالات؟ ولم كانت للناس كافة ولم تكن لقومه خاصة؟. . نجيب على ذلك فنقول:

أما لم كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسالات؟

فذلك أمر بدهي وطبعي، فما دمنا قد عرفنا أن الإسلام قد بلغ الغاية في هدايته وتشريعه، ضرورة أنه جاء لإسعاد البشرية في أرقى مراحلها وأوج كمالها، فأي شئ يرجى للبشرية بعد ذلك؟. . .

أي شئ يرجى لها بعد الكمال الذي لا كمال بعده؟. . . لا شيء إلا أن تمشي البشرية معتصمة به إلى نهايتها إذ ليس بعد الكمال غاية، ولا بعد بلوغ المنتهى نهاية، والله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (١).

وفي تقرير أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين يقول الله عز وجل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّين} (٢). ويقول -عليه الصلاة والسلام-: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي (٣)».

وأما لم كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، بل وللإنس والجن جميعا؟ فذلك لعدة أمور:


(١) سورة المائدة الآية ٣
(٢) سورة الأحزاب الآية ٤٠
(٣) رواه الإمام أحمد بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه.