للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولا:

أن الإسلام جاء دينا وسطا بين غيره من الأديان السماوية، فيه من كل دين أيسره وأحسنه، وأكثره ملائمة وتمشيا مع الطبائع المختلفة لبني الإنسان، فمثلا عقوبة القتل العمد في الشريعة اليهودية القصاص ولا بد، وفي الشريعة المسيحية العفو، وأكاد أقول ولا بد، فجاءت شريعة الإسلام تخير ولي الدم بين القصاص والعفو، وكان هذا أمرا وسطا، يتمشى مع الطبائع المختلفة: فمن طبائع الناس طبائع لا يشفي غلها إلا القصاص، ومنها طبائع هينة لينة، تميل إلى التسامح وتأخذ بالعفو، وفي شريعة الإسلام ما يساير طبيعة هؤلاء وأولئك.

ومثلا: الزواج، أطلقته الشريعة اليهودية، ولم تقيده التوراة بعدد معين من النساء، وقصرته الشريعة المسيحية على امرأة واحدة، لأن الأصل فيها هو التبتل، فإذا كان ولا بد فزوجة واحدة تكفي.

أما الشريعة الإسلامية، فقد جاءت بتشريع وسط بين هذا وذاك، تشريع يرضي رغبة من يريد التعدد، ولكن بحدود وقيود، فأباحت له أن يجمع بين أربع زوجات ولا يزيد، بشرط أن يعدل بينهن ولا يجور، وقصرت من لا يأمن على نفسه الجور على زوجة واحدة فقط.

ولقد يشهد لوسطية الإسلام في تشريعه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (١) وقوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس} (٢) مع ما استقر في العقول من أن خير الأمور أوسطها.

ثانيا:

أن البشرية - كما قلنا - قد بلغت رشدها فأصبحت تقاد بالعقل وحده، ولم يعد ينفع معها مجرد الخوارق والقوارع الملجئة أو شبه الملجئة، فجاء الإسلام دينا منطقيا، رفع من قيمة العقل، وأعطى للإنسان الحرية التامة في التأمل والتدبر في كل ما يكلف به، فلا يؤمن بعقيدة يدعى إليها إلا بعد ترو واقتناع، ولا يتبع تشريعا يشرع له إلا بعد نظر يهديه إلى سلامة التشريع واستناده إلى المنطق السليم والدليل القويم، ثم هو بعد ذلك يذم التقليد وينعي على المقلدين لآبائهم وأحبارهم ورهبانهم، فيقول عز من قائل:


(١) سورة البقرة الآية ١٤٣
(٢) سورة آل عمران الآية ١١٠