للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينسونها، وقد استمر العمل بالموالد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم، وتوجه شياطين الجن والإنس.

ولا نزاع أنها من البدع، ومع هذا فقد قال البعض: إنها وإن كانت بدعة إلا أنها من البدع الحسنة، واستدل هؤلاء لهذا الرأي بما يأتي:

١ - أنها تشتمل على أنواع من الخير: كإطعام الطعام، وتلاوة القرآن، وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصائد مدحه، وإظهار شمائله. وهذه محاسن تتمشى مع رغبة الشارع وأهداف الشريعة. وهي وإن لم تكن موجودة في عهد الصحابة والتابعين لعدم حاجتهم لقرب عهدهم بنور النبوة ومزيد عنايتهم بنشر الشريعة، إلا أن الناس في العصور المتأخرة قد بعد عهدهم بالنبوة، وزادت حاجتهم إلى تذكيرهم بمحاسن الإسلام ورسوله تذكيرا لعامتهم من النساء والأطفال والشيوخ؛ لتقوية صلتهم برسولهم صلى الله عليه وسلم وتمكين محبته في نفوسهم، فهذه سنة حسنة مندوبة لانطباق قواعد الندب وأدلته العامة عليها.

٢ - الدليل الثاني: أن «النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى فيه موسى؛ فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه (١)». فيستفاد من ذلك فعل الشكر لله تعالى على ما من الله به في يوم معين، من إسداء نعمة، ودفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.

وحيث أقر الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا الشكر وعمل به، وقال «نحن أولى بموسى منكم (٢)» وأمر أن نصومه على أن نصوم يوما قبله أو بعده مخالفة لهم، فحيث جاز هذا شكرا لله على فضله في إنجاء موسى وإغراق فرعون، فإنه يجوز أن يشكر سبحانه على تفضله بمحمد رسولا لهذه الأمة.


(١) صحيح البخاري الصوم (٢٠٠٤)، صحيح مسلم الصيام (١١٣٠)، سنن أبو داود الصوم (٢٤٤٥)، سنن ابن ماجه الصيام (١٧٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣١٠)، سنن الدارمي الصوم (١٧٥٩).
(٢) صحيح البخاري المناقب (٣٩٤٣)، صحيح مسلم الصيام (١١٣٠)، سنن أبو داود الصوم (٢٤٤٤)، سنن ابن ماجه الصيام (١٧٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣١٠).