للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إثمها ثواب الجهاد فيصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئا، ولو كان مقصودها إنكار البيع إلى العطاء لم تستنكره هذا الاستنكار، ولما جعلته محبطا للعمل، لأن الجاهل بمثل هذه الأحكام يعلم، وغاية ذلك أن يبين الأجل أو يفسد البيع لا أن يكون ذلك محبطا للعمل. وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم من اشترى فضة بنقد ونسيئة أن ما كان يدا بيد فخذوه وما كان بنسيئة فردوه (١). ولم يجعل ذلك محبطا للعمل.

ثانيا: قولهم إن زيدا من الصحابة وقد خالفها. هذا غير وارد لأن زيدا لم يقل هذا حلال، بل فعله، وفعل المجتهد لا يدل على قوله على الصحيح لاحتمال سهو أو غفلة أو تأويل أو رجوع ونحوه. وكثيرا ما يفعل الرجل الشيء ولا يعلم مفسدته فإذا نبه له انتبه ولا سيما أم ولده فإنها دخلت على عائشة تستعتبها وطلبت الرجوع إلى رأس مالها، وهذا يدل على الرجوع عن ذلك العقد. ولم ينقل عن زيد أنه أصر على ذلك (٢).

ثالثا: إن عائشة رضي الله عنها قد أنكرت على زيد هذا الفعل، ولو كان البيع جائزا لما أنكرته أم المؤمنين على وجه التغليظ والتشديد.

قال الشوكاني: تصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص من الشارع، إما من جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة أو على جهة الخصوص كحديث


(١) رواه البخاري في صحيحه كتاب الشركة باب الاشتراك في الذهب والفضة وما يكون فيه الصرف جـ٣ ص١١٢.
(٢) تهذيب سنن أبي داود لابن القيم مع معالم السنن للخطابي جـ٥ ص١٠٥.