للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت عائشة أم المؤمنين تقول: «ما بعث رسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم، ولو بقي بعده استخلفه (١)» «وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يغز لم يعط سلاحه إلا لعلي أو لزيد (٢)».

ذلك مبلغ حب النبي صلى الله عليه وسلم لزيد وتقديره له، ولن يكون هذا الحب وهذا التقدير إلا لشخصية لها سجاياها المتميزة وإخلاصها النادر وإيمانها العميق.

وزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمته زينب بنت جحش زيدا، وهي التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زيد (٣)، فتكلم المنافقون والمشركون وقالوا: " محمد يحرم نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه "، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (٤)، ونزلت: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (٥)، فدعي يومئذ زيد بن حارثة، ونسب كل من تبناه رجل من قريش إلى أبيه (٦).

وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: "لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (٧)، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها، يعني زينب بنت جحش - قالوا: "إنه تزوج خليلة ابنه" (٨)، فإن العرب إذا


(١) طبقات ابن سعد (٣/ ٤٦)
(٢) تهذيب ابن عساكر (٥/ ٤٥٩)
(٣) أسد الغابة (٢/ ٢٢٦).
(٤) سورة الأحزاب الآية ٤٠
(٥) سورة الأحزاب الآية ٥
(٦) أنساب الأشراف (١/ ٤٦٩).
(٧) سورة الأحزاب الآية ٣٧
(٨) أسد الغابة (٢/ ٢٢٦)