للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تبنت غلاما أنزلته منزلة الولد حتى في الإرث وتحريم نكاح زوجته، وكان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته، إذا نسخ الله شيئا من أمر الجاهلية أن يسرع صلى الله عليه وسلم إلى الفعل، ليقتدى به، فلما زوج زينب بنت جحش من زيد وأذن الله بنسخ عادة الجاهلية، أمر الله أن يطلقها زيد ويتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبطل عادة الجاهلية بالفعل، للعلة التي ذكرها الله في كتابه العزيز: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} (١) (٢).

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحب الناس إلي من أنعم الله عليه وأنعمت عليه (٣)» - يعني زيد بن حارثة - أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتق (٤).

ومن الواضح، أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج زيدا زينب بنت جحش، وهي ابنة عمته، ليبطل عادة الجاهلية في الترفع على الموالي وعدم تزويجهم الحرائر وبنات الأشراف، وكان زواجها بزيد شديدا على نفسها، قالت زينب رضي الله عنها: «خطبني عدة من قريش، فأرسلت أختي حمنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستشيره، فقال: أين هي ممن يعلمها كتاب الله وسنة نبيها؟ قالت: ومن هو يا رسول الله؟ قال: زيد. فغضبت حمنة غضبا شديدا وقالت: يا رسول الله أتزوج ابنة عمك مولاك؟! فجاءت فأخبرت زينب، فغضبت أشد الغضب من غضب أختها وقالت أشد من قولها، فأنزل الله تعالى:، فأرسلت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: زوجني من شئت، فزوجني من زيد (٦)».

لقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم تقاليد الترفع عن تزويج الموالي بالحرائر من بنات الأشراف، وتقاليد تحريم الزواج بامرأة الابن بالتبني، وأعتقد أنه لو لم يطبق إبطال


(١) سورة الأحزاب الآية ٣٧
(٢) تهذيب ابن عساكر (٥/ ٤٥٨ - ٤٥٩).
(٣) سنن الترمذي المناقب (٣٨١٩).
(٤) الاستيعاب (٢/ ٥٤٦)
(٥) تهذيب ابن عساكر (٥/ ٤٥٨)
(٦) سورة الأحزاب الآية ٣٦ (٥) {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}