تلك التقاليد عمليا بنفسه وعلى نفسه، لصعب تطبيقها على غيره، وهي تقاليد جاهلية بالية أبطلها الإسلام، فجعل التفاضل بالتقوى، لا بالأحساب وبالتمسك بالأنساب.
ولست أنسى حديثا سمعته في المدينة المنورة من شيخ معروف من الشيوخ المسلمين، يستنكر فيه إقدام شخصيات من عوائل عريقة في المدينة على تزويج قسم من بناتهم الشريفات برجال قدمهم علمهم ومناصبهم الحكومية وأخرهم نسبهم وحسبهم، وقد مضى على الإسلام خمسة عشر قرنا، وذهبت تقاليد الجاهلية إلى غير رجعة، وهذا يدل على مبلغ التضحية التي أقدم عليها النبي صلى الله عليه وسلم وعظم الشجاعة التي حققها بإقدامه على زواج زينب من مولاه، وزواجها بعد أن طلقها مولاه.
إن التضحية والشجاعة المعنويتين اللتين تحملهما الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام في قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها لا تقلان عن أي تضحية وشجاعة ماديتين، إن لم تكن أعظم أثرا وأبلغ تأثيرا، فكان القدوة الحسنة والمثال الشخصي في تطبيق أصعب تشريعات الإسلام على نفسه قبل غيره، فاجتث بذلك تقاليد جاهلية بالية، ولكن لا تزال آثارها باقية بين العرب المسلمين حتى اليوم، وهناك من لا يتحمل تطبيق اجتثاثها على نفسه من العرب المسلمين غير المؤمنين حقا من الطيبين الأخيار.
ومادمنا قد تطرقنا إلى زواج زيد بالسيدة زينب، فلا بد من إكمال الحديث عن زواجه بنسائه الأخريات.
فقد زوجه النبي صلى الله عليه وسلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة بن زيد (١). حب رسول الله وابن حبه، وهي حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاته، وكان اسم أم أيمن: بركة، كانت قد تزوجت بمكة في الجاهلية عبيد بن عمرو بن بلال بن أبي الحرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج، فولدت له أيمن بن عبيد، فكنيت به. واستشهد أيمن يوم