للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يعلم ما هو عهد الله إلا بنص وارد فيه، وقد علمنا أن كل عهد نهى الله عنه فليس هو عهد الله تعالى بل هو عهد الشيطان فلا يحل الوفاء به، وقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل والباطل لا يحل الوفاء به.

وأما الأثر في ذلك فإننا رويناه من طريق ابن وهب حدثني سليمان بن بلال نا كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: «المسلمون عند شروطهم» ورويناه أيضا من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي حدثني الحزامي عن محمد بن عمر عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: «المسلمون على شروطهم (١)» ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن الحجاج بن أرطاة عن خالد بن محمد عن شيخ من بني كنانة سمعت عمر يقول: المسلم عند شرطه. ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنم قال عمر بن الخطاب: " إن مقاطع الحقوق عند الشروط "، ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال: المسلمون عند شروطهم.

قال أبو محمد: كثير بن زيد هو كثير بن عبد الله بن عمر (٢) بن زيد هالك متروك باتفاق، والوليد بن رباح مجهول، والآخر عبد الملك بن حبيب هالك، ومحمد بن عمر هو الواقدي مذكور بالكذب، وعبد الرحمن بن محمد مجهول لا يعرف. ومرسل أيضا، والثالث مرسل أيضا، والذي من طريق عمر فيه الحجاج بن أرطاة وهو هالك، وخالد بن محمد مجهول وشيخ من بني كنانة، والآخر فيه إسماعيل بن عبيد الله ولا أعرفه، وخبر علي مرسل، ثم لو صح كل ما ذكرنا لكان حجة لنا وغير مخالف لقولنا؛ لأن شروط المسلمين هي الشروط التي أباحها الله لهم لا التي نهاهم عنها، وأما التي نهوا عنها فليست شروط المسلمين، وقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وإن كان مائة شرط أو اشترط مائة مرة، وأنه لا يصح لمن اشترطه، فصح أن كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فباطل فليس هو من شروط المسلمين، فصح قولنا بيقين. ثم إن الحنيفيين، والمالكيين، والشافعيين أشد الناس اضطرابا وتناقضا في ذلك؛ لأنهم يجيزون شروطا ويمنعون شروطا كلها سواء في أنها باطلة ليست في كتاب الله عز وجل، ويجيزون شروطا ويمنعون شروطا كلها سواء حق؛ لأنها في كتاب الله تعالى، فالحنفيون والشافعيون يمنعون اشتراط المبتاع مال العبد وثمر النخل المؤبر ولا يجيزون له ذلك البتة إلا بالشراء على حكم البيوع، والمالكيون والحنيفيون والشافعيون لا يجيزون البيع إلى الميسرة ولا شرط قول: لا خلابة عند البيع، وكلاهما في كتاب الله عز وجل؛ لأمر النبي (٣) - صلى الله عليه وسلم - بهما، وينسون هاهنا (٤) «المسلمون عند شروطهم» وكلهم يجيز بيع الثمرة التي لم يبد صلاحها بشرط القطع


(١) سنن أبو داود الأقضية (٣٥٩٤).
(٢) في النسخة رقم ١٤ (ابن عمر) وهو غلط.
(٣) في النسخة رقم ١٦ (أمر النبي).
(٤) في النسخة رقم ١٤ هنا.