للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو شرط ليس في كتاب الله تعالى بل قد صح النهي عن هذا البيع جملة، ومثل هذا كثير.

قال أبو محمد: ولا يخلو كل شرط اشترط في بيع أو غيره من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها: إما إباحة مال لم يجب في العقد، وإما إيجاب عمل، وإما المنع من عمل، والعمل يكون بالبشرة أو بالمال فقط، وكل ذلك حرام بالنص، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام (١)» وأما المنع من العمل فإن الله تعالى يقول: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (٢) فصح بطلان كل شرط جملة إلا شرطا جاء النص من القرآن أو السنة بإباحته، وهاهنا أخبار نذكرها ونبينها إن شاء الله تعالى؛ لئلا يعترض بها جاهل أو مشغب.

* * *

حدثني محمد بن إسماعيل العذري القاضي بسرقسطة نا محمد بن علي الرازي المطوعي نا محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري نا جعفر بن محمد الخلدي نا عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير نا محمد بن سليمان الذهلي نا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنوري -: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة عمن باع بيعا واشترط شرطا، فقال: البيع باطل والشرط باطل، ثم سألت ابن أبي ليلى عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط باطل، ثم سألت ابن شبرمة عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط جائز. فرجعت إلى أبي حنيفة فأخبرته بما قالا فقال: لا أدري ما قالا - حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن بيع وشرط» البيع باطل والشرط باطل، فأتيت ابن أبي ليلى فأخبرته بما قالا: فقال: لا أدري ما قالا - حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اشتري بريرة واشترطي لهم الولاء (٣)» البيع جائز والشرط باطل. فأتيت ابن شبرمة فأخبرته بما قالا فقال: لا أدري ما قالا نا مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله «أنه باع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملا واشترط ظهره إلى المدينة (٤)» البيع جائز والشرط جائز، وهاهنا خبر رابع رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا زياد بن أيوب نا ابن علية نا أيوب السختياني نا عمرو بن شعيب حدثني أبي عن أبيه عن أبيه (٥) حتى ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: «لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن (٦)». وبه أخذ أحمد بن حنبل فيبطل البيع إذا كان فيه شرطان ويجيزه إذا كان فيه شرط واحد، وذهب أبو ثور إلى الأخذ بهذه الأحاديث كلها فقال: إن اشترط البائع بعض ملكه كسكنى الدار مدة مسماة أو دهره كله أو خدمة العبد كذلك، أو ركوب الدابة كذلك أو لباس الثوب كذلك، جاز البيع والشرط؛ لأن الأصل له والمنافع له فباع ما شاء وأمسك ما شاء، وكل بيع اشترط فيه ما يحدث في ملك المشتري فالبيع جائز والشرط باطل كالولاء ونحوه، وكل بيع اشترط فيه عمل أو مال على البائع أو عمل المشتري فالبيع والشرط باطلان معا.


(١) صحيح البخاري الفتن (٧٠٧٨)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٩)، سنن الدارمي المناسك (١٩١٦).
(٢) سورة التحريم الآية ١
(٣) صحيح البخاري البيوع (٢١٦٨)، صحيح مسلم العتق (١٥٠٤)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٥١)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥١٩).
(٤) سنن الترمذي المناقب (٣٨٥٢).
(٥) سقط لفظ (عن أبيه) الثاني من سنن النسائي ج ٧ ص ٢٩٥.
(٦) سنن الترمذي البيوع (١٢٣٤)، سنن النسائي البيوع (٤٦١١)، سنن أبو داود البيوع (٣٥٠٤)، سنن ابن ماجه التجارات (٢١٨٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٧٥)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٦٠).