للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء (١)».

فقد تمسكوا بلفظة «من سن في الإسلام سنة حسنة (٢)» وفرعوا على ذلك الفهم أن البدع قسمان، بدعة حسنة وبدعة قبيحة ففسروا السنة هنا بالبدعة وكأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: من سن أي من أحدث وابتدع، وهذا مردود من أربعة وجوه.

الوجه الأول: سبب ورود الحديث، فقد قال جرير -رضي الله عنه-: «كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى فيهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن، وأقام فصلى ثم خطب فقال: إلى آخر الآية والآية التي في الحشر.

تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة). قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن. . وذكر الحديث (٦)». فقد ظهر أن سبب ورود الحديث هو حاجة هؤلاء القوم، لذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فبادر هذا الصحابي بصدقته وتبعه الناس في ذلك على أمر أمره به النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عما ورد في القرآن من الحث على الصدقة، فهذه القصة نفسها تنقض مفهومهم الخاطئ.


(١) صحيح مسلم الزكاة (١٠١٧)، سنن النسائي الزكاة (٢٥٥٤)، سنن ابن ماجه المقدمة (٢٠٣)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٥٩)، سنن الدارمي المقدمة (٥١٤).
(٢) صحيح مسلم الزكاة (١٠١٧)، سنن النسائي الزكاة (٢٥٥٤)، سنن ابن ماجه المقدمة (٢٠٣)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٥٩)، سنن الدارمي المقدمة (٥١٤).
(٣) رواه مسلم في "الزكاة"، باب الحث على الصدقة وأنواعها وأنها حجاب من النار.
(٤) سورة النساء الآية ١ (٣) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}
(٥) سورة النساء الآية ١ (٤) {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
(٦) سورة الحشر الآية ١٨ (٥) {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}