للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو يؤجره. ذلك أن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، ثم شرط العاقد فيه ما ينافي هذا المقصود فقد جمع بين المتناقضين، بين إثبات المقصود ونفيه، فمثل هذا الشرط باطل. ويقول ابن تيمية في تفسيره للمعنى المراد بالشرط الذي ينافي المقصود في العقد وفي تمييزه بين هذا الشرط والشرط الذي يناقض الشرع، ما يأتي: " إن العقد له حالان، حال إطلاق وحال تقييد، ففرق بين العقد المطلق وبين المعنى المطلق من العقود، فإذا قيل: هذا شرط ينافي مقتضى العقد، فإن أريد به ينافي العقد المطلق فكذلك كل شرط زائد وهذا لا يضره، وإن أريد ينافي مقتضى العقد المطلق والمقيد احتاج إلى دليل على ذلك. وإنما يصح هذا إذا أتى في مقصود العقد. فإن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره وشرط فيه ما ينافي ذلك المقصود، فقد جمع بين المتناقضين، بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء. ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق، بل هو مبطل للعقد عندنا. والشروط الفاسدة قد تبطل لكونها قد تنافي مقصود الشارع مثل اشتراط الولاء لغير المعتق، فإن هذا لا ينافي مقتضى العقد ولا مقصوده، فإن مقصوده الملك، والعتق قد يكون مقصودا للعقد فإن اشتراء العبد لعتقه يقصد كثيرا، فثبوت الولاء لا ينافي مقصود العقد، وإنما ينافي كتاب الله وشرطه كما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «كتاب الله وشرط الله أوثق (١)» فإذا كان الشرط منافيا لمقصود العقد كان لغوا، وإذا كان منافيا لمقصود الشارع كان مخالفا لله ورسوله، فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما؛ إذا لم يكن لغوا ولا اشتمل على ما حرمه الله ورسوله، فلا وجه لتحريمه بل الواجب حله؛ لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون إليه، إذ لولا حاجتهم إليه لما فعلوه، فإن الإقدام على الفعل مظنة الحاجة إليه، ولم يثبت تحريمه فيباح لما في الكتاب والسنة مما يرفع الحرج.

* * *

(الثاني) الشرط الذي يناقض الشرع فيحل الحرام. ويبدو أن ابن تيمية يبدأ بالتمييز بين منطقة الحرام ومنطقة المباح. فلا يستطيع الشرط في منطقة الحرام أن يجعل الحرام حلالا، بل كان ما كان حراما بدون الشرط فالشرط لا يبيحه، كالزنا، وكثبوت الولاء لغير المعتق. وأما ما كان مباحا بدون الشرط، كالزيادة في مهر المثل، وكالتبرع برهن لتوثيق الثمن، فيصح أن يوجب الشرط فعله بعد أن كان تركه مباحا، بل كان تركه هو الأصل المعمول به ما دام الشرط الموجب لفعله لم يوجد، وليس في ذلك تحريم للحلال أو تحليل للحرام، فيكون الشرط الموجب لفعل المباح شرطا مشروعا، ومن ثم يكون صحيحا. ويقول ابن تيمية في هذا المعنى ما يأتي:

فإن المشترط ليس له أن يبيح ما حرمه الله. . وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجبا بدونه، فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما. . وكل شرط صحيح فلا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبا. . وكذلك إذا اشترط صفة في المبيع أو رهنا، أو اشترطت المرأة زيادة على مهر مثلها، فإنه يجب ويحرم ويباح لهذا الشرط ما لم يكن كذلك. وهذا المعنى هو الذي أوهم من اعتقد أن الأصل فساد الشرط، قالوا:


(١) صحيح مسلم العتق (١٥٠٤)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٥٢١).