للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الحياة لا نعلم كيفيتها إلا أنا نتحقق أن أرواحهم خرجت من أبدانهم، وأن أعمارهم انقضت، وأعمالهم قد ختمت، وقد فسرت حياتهم في الحديث الصحيح بأن أرواحهم جعلت في أجواف طير خضر تعلق في شجر الجنة (١) وهذا يحقق أنها قد فارقت أبدانهم، وإنما تميزوا بهذه الحياة الخاصة، ومعلوم أن الأنبياء والرسل أولى بهذه الحياة، وبكل حال فإنها لا تمكنهم من إجابة من دعاهم، أو إعطاء من سألهم، فنحن نعتقد أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، وقد تميز بحماية جسده عن البلى، كما ثبت في سنن أبي داود عن أوس بن أوس عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة علي فيه، فإن صلاتكم معروضة علي قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك وقد أرمت. قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء (٢)» وهذا أوضح دليل على أن روحه قد خرجت من جسده، ورفعت إلى الرفيق الأعلى، كما كان ذلك آخر طلبه من الدنيا، وكذا قد ورد في الحديث عن أبي هريرة قوله - صلى الله عليه وسلم - «ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام (٣)» رواه أبو داود (٤) وفي كيفية هذا الرد خلاف والله أعلم بذلك، وقد روى أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم (٥)» وروى الحافظ الضياء في المختارة وغيره عن علي بن الحسن بن علي - رضي الله عنه - أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إلا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم (٦)»


(١) هو في صحيح مسلم ١٣/ ٣٠ عن ابن مسعود - رضي الله عنه.
(٢) كما في سنن أبي داود برقم ١٠٤٧.
(٣) سنن أبو داود المناسك (٢٠٤١)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٢٧).
(٤) هو في سنن أبي داود برقم ٢٠٤١.
(٥) هو في سنن أبي داود أيضا برقم ٢٠٤٢.
(٦) ذكره الهيثمي في الزوائد ٣/ ٤ وعزاه لأبي يعلى ووثقه رجاله.