للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سعيد بن منصور: حدثنا عبد العزيز بن محمد، أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي - رضي الله عنهم - عند القبر فناداني فقال: مالي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إذا دخلت المسجد فسلم. ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء (١)» فهذه الآثار تدل على شهرة ذلك عند السلف، وحرصهم على حفظ هذه السنة وتبليغها، ومعنى قوله: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا (٢)» أي لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور التي لا تجوز الصلاة عندها، والمراد صلاة التطوع «ولا تتخذوا قبري عيدا (٣)» نهى - صلى الله عليه وسلم - من زيارة قبره على وجه مخصوص واجتماع معهود، بحيث يكون كالعيد الذي يتكرر الاجتماع فيه في زمن محدد، ويحصل به فرح واغتباط يعود ويتكرر كل عام مرة ومرارا، ثم أخبرنا بأن صلاتنا تبلغه أين ما كنا، يعني أن ما يناله من الصلاة والسلام حاصل مع القرب والبعد، فلا مزية لمن صلى عليه أو سلم عند القبر، وهذا معنى قول الحسن بن الحسن (ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء) ومن قصد القبر للسلام فقط، ولم يكن قصده المسجد، فقد اتخذه عيدا، كما فهم ذلك الحسن بن الحسن - رضي الله عنه - وقد كره الإمام مالك - رحمه الله - لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد يأتي القبر النبوي؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك قال: (ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) (٤) وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - وكذا كبار التابعين يصلون في المسجد النبوي خلف الخلفاء الراشدين أغلب الأوقات، ثم ينصرفون بعد السلام أو يجلسون في قراءة أو عبادة، ولم يحفظ عنهم الإتيان إلى القبر بعد كل صلاة، بل يكتفون بالصلاة والسلام عليه في التشهد، وذلك أفضل من الوقوف أمام القبر لذلك، رغم تمكنهم من الوصول إلى القبر في حياة عائشة وبعدها قبل بناء الحيطان دونه بعد أن أدخل في توسعة


(١) ذكره شيخ الإسلام ابن تيميه في اقتضاء الصراط المستقيم ٣٢٢ وساقه بإسناده.
(٢) سنن أبو داود المناسك (٢٠٤٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٦٧).
(٣) سنن أبو داود المناسك (٢٠٤٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٦٧).
(٤) ذكره شيخ الإسلام في الاقتضاء ٣٦٦، ٣٩٤ بنحو.