للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك، وبكل حال فإن الصحابة لم يكونوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره، وإنما كان بعضهم يأتي من خارج إذا قدم من سفر فيسلم عليه ثم ينصرف، كما نقل ذلك عن ابن عمر، ولم يحفظ عن غيره من الصحابة، ولم يكن يفعله دائما، فتكرار ذلك كل وقت بدعة ووسيلة إلى تعظيمه أو دعائه مع الله، وقد اتفق الأئمة - رحمهم الله - أن من سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد الدعاء لنفسه لا يستقبل القبر، وإنما يستقبل القبلة التي هي أفضل الجهات وأرجى لقبول الدعاء، وأما الحكاية عن مالك أنه قال للمنصور: ولم تصرف وجهك عنه. . . بل استقبله واستشفع به. . الخ فهي حكاية موضوعة مكذوبة عليه، كما حقق ذلك العلماء رحمهم الله (١).

٦ - منع السفر لمجرد زيارة القبر النبوي، ثبت في الصحاح والسنن والمسانيد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (٢)» ومعنى ذلك النهي عن السفر إلى بقعة أو موضع لقصد التعبد فيه، لاعتقاد أن العمل فيه مضاعف أو له مزية على غيره من المواضع، فدخل في ذلك منع السفر لزيارة القبور ولو قبور الأنبياء، فإنه من اتخاذها أعيادا، والاعتقاد في المقبورين بما يكون وسيلة إلى عبادتهم مع الله تعالى، كما هو الواقع من المشركين في هذا الزمان وقبله، حيث ينشئون الأسفار الطويلة إلى قبور الأولياء كما زعموا، أو يتجشمون المشقات، وينفقون الأموال الطائلة، ومتى وصلوا إلى تلك المشاهد كما أسموها حطوا رحالهم، وأخذوا في الهتاف والنداء لا أولئك الأموات، وعملوا هناك مالا يصلح إلا لله رب العالمين، من الطواف بتلك الأضرحة والتمسح بترابها، والدعاء لأربابها، والذبح والنحر لها ونحو ذلك، فهذا ما خافه عليه الصلاة والسلام من منعه شد الرحال لغير المساجد الثلاثة، وقد كتب في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - رسالة ذكر فيها اختلاف العلماء في حكم شد الرحال لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ورجح المنع، وذكر أنه قول ابن بطة وأبي الوفاء ابن عقيل، والجوينى والقاضي


(١) ذكر ذلك شيخ الإسلام أيضا في الاقتضاء ص ٣٩٥ وغيره.
(٢) رواه البخاري عن أبي هريرة برقم ١٨٩/ ١ وعر أبي سعيد برقم ١١٩٧.