للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتابع الحديث والنقل إلى أن يقول: فمن الممكن إذن أن يبدو غريبا جدا أنه حتى نهاية القرن الثاني للهجرة، أي أكثر من مائة وخمسين سنة بعد وفاة الخليفة عمر، لا نرى نصا يذكر الكتاب الذي تسنده الروايات المتأخرة إلى عمر. إن المؤلفين الذين لاحظنا عندهم هذا الصمت كان يمكن أن يكون لهم أكبر الاهتمام في أن يذكروا في كتاباتهم المتعلقة بالسلطة القضائية هذه الوثيقة المزعومة لو وجدت حقيقة] (١).

وأجيب عن هذا بما يأتي:

أولا: قولهم لم يل الكوفة:

إن أكثر الذين رووا الرسالة لم ينصوا على أن عمر أرسلها إلى قاضيه على الكوفة، وإنما قالوا: أرسلها إلى أبي موسى الأشعري. وابن خلدون - رحمه الله - وحده وهو الذي ذكر أن عمر أرسلها إلى أبي موسى وهو على الكوفة (٢).

ومن الممكن الإجابة على رواية ابن خلدون بما يأتي:

أ - لعلها سبقة قلم من ابن خلدون، أو سجلها من حفظه، فكتب الكوفة بدلا من البصرة لتقاربها في الموقع وتأريخ التأسيس، فتسبق إحداهما على الأخرى في الذهن، فيكاد المرء لا يفرق بينهما.

وخطأ بعض المؤرخين في تحديد الجهة التي كان فيها أبو موسى وقت إرسال الكتاب ليس معناه كذب الكتاب، أو مدعاة للطعن في صحته، وكذلك اختلاف التأريخ في الكوفة والبصرة ليس كافيا لرد الرسالة.

ب - يحتمل أن قولهم: قاضيه على الكوفة، إنما ذكرت في الرواية أيام كون أبي موسى قاضيا عليها - أيام عثمان بن عفان - فهو باعتبار الحال والزمان، ولكنه ليس قاضيا لعمر على الكوفة.

ج - ذكر الطبري (٣) - رحمه الله - وابن الأثير (٤) أن أهل الكوفة طلبوا من عمر بن


(١) نظام الحكم في الشريعة والتأريخ الإسلامي ـ السلطة القضائية ـ ص ٤٥٥.
(٢) مقدمة ابن خلدون ص ٢٢٠.
(٣) تأريخ الأمم والملوك جـ٤ ص٢٦٢ دار الفكر بيروت سنة ١٣٩٩هـ.
(٤) الكامل في التأريخ جـ ٣ ص ١٦ الناشر دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الثالثة ١٤٠٠هـ - ١٩٨٠ م.