للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان من أسباب اللعن والسخط الذي تعرض له أولئك القوم هو حضور مجالس المعاصي ومخالطة العصاة حال معصيتهم ومؤاكلتهم ومشاربتهم ومجالستهم، ولذلك نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن حضور المجالس التي تشتمل على الخوض في آيات الله والاستهزاء بها والكفر فيها فيفعل في تلك المجالس ما يضاد ما جاءت به آيات الله من الأمر بالطاعة والتعاون على البر والتقوى والأمر بترك المعصية والتعاون على الإثم والعدوان، فقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} (١).

وذكر الرحمن من جليل أعمال عباده المخلصين في عبادته والمتبعين لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أنهم {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (٢).

قال الإمام ابن كثير (٣) والأظهر من السياق أن المراد بـ {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (٤) أي لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشيء ولهذا قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (٥).

ثم ساق ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن مسعود: أنه مر بلهو فلم يقف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما» واللهو من اللغو وكلاهما داخلان في الزور المنهي عن قوله وفعله وحضوره؛ لأنه باطل لميله عن الحق كما سبق، ولذلك تنوعت عبارات المفسرين - رحمهم الله تعالى - في المراد بالزور وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (٦)

فمنهم من قال: هو الشرك، ومنهم من قال: هو الغناء. ومنهم من قال: هو الكذب، ومنهم من قال: هو أعياد المشركين، ومنهم من قال: شرب الخمر (٧) واختلاف


(١) سورة النساء الآية ١٤٠
(٢) سورة الفرقان الآية ٧٢
(٣) تفسير ابن كثير ج ٣، ص ٣٢٨.
(٤) سورة الفرقان الآية ٧٢
(٥) سورة الفرقان الآية ٧٢
(٦) سورة الفرقان الآية ٧٢
(٧) تفسير ابن جرير ج١٩ ص ٤٨، وتفسير القرطبي ج ١٢ ص ٥٥.