بين ثقافتنا وثقافة سوانا، من دون عقد أو خوف أو رفض عاطفي، فلك أن التضامن الحقيقي، والحوار الخصب بين الثقافات، هو الذي يتم في إطار عملها جميعها، من أجل رفض النموذج الذي يريد أن يستلبها كلها، وينفيها جميعا.
وقد عرفت البلاد العربية الأهداف الحقيقية لهذا التغريب، ولمستها لمس اليد، عن طريق تجربة الجزائر مع الاستعمار الفرنسي، فلقد استهدفت استراتيجية التغريب التي ساقها المستعمر - كما هو معروف - العزل القسري للتراث العربي الإسلامي، وطمس الهوية الثقافية الراسخة في الجزائر، والقضاء على اللغة العربية، لغة القرآن، ذلك عن طريق السعي إلى استئصال المناعة الإسلامية، والجذور الإسلامية، التي تقف وحدها عقبة كأداء في طريق بلوغ الأهداف الاستعمارية.
ومما يزيد في خطورة التغريب، والتبعية، للنموذج الحضاري الأجنبي في الغرب والشرق، أن هذا النموذج قد وصل إلى طريق مسدود، وفشل في بناء مجتمع جدير بالإنسان، وإن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والنفسية، التي يعاني منها هذا النموذج الحضاري، التي أطنب في الحديث عنها الغربيون أنفسهم إلى فشله في علاج مشكلات العالم المتقدم نفسه، وإلى توسيعه للهوة القائمة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وتعاظم اللا مساواة بين الشعوب، واستغلال ثرواتها المادية والبشرية.
وإن الخلل الأساسي في هذا النموذج هو فشله في تحقيق التوازن بين التطهر العلمي والتكنولوجي من جانب، والتطور الإنساني الروحي من جانب آخر، بحيث جعل الإنسانية أكثر تقدما في الظاهر، دون أن يجعلها أكثر سعادة، وبحيث نأى بها عن رسالتها الحقيقية، رسالة تسخير الكون لخدمة الإنسان، ولتحقيق المزيد من إنسانيته وقيمه.