للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باشتراط أغلبيات خاصة لإمكان تعديل الدستور. . لكن ذلك لم يحقق لها الثبات إذا أمكن الحصول على هذه الأغلبيات. . كما أنه في كل الأحوال لا قيمة لمثل هذه النصوص في مواجهة الثورات والانقلابات. . ‍!!

بيد أن ثبات شريعة الله لم يمنع من مرونتها. . فقد تركت دائرة واسعة لاجتهاد من يملكون أداة الاجتهاد وأهليته، وذلك في صدد النصوص الظنية (التي تحتمل أكثر من تأويل) أو في صدد ما سكت عنه الشارع الحكيم رحمة بنا غير نسيان.

وبذا كان الأصل في شريعة الله هو الثبات. . لكنها مع ثباتها تحمل المرونة التي تمكنها من مواجهة كل حادثة تجد، وتبطل بالتالي حجج الذين يستوردون الأحكام أو النظم أو القوانين بمقولة أن الشريعة سكتت عن هذا الجانب أو عن ذاك.

ولها - مع ثباتها - صفة " العدل " المطلق الذي لم ولن تصل إليه شريعة أخرى. وهو عدل لا يميل مع الميل أو الهوى، ولو تعلق الأمر بالنفس أو بمن هو أقرب {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (١)

كما أنه عدل لا يحيف مع العداوة أو البغض. {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} (٢)

وفي التطبيق: رفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقبل شفاعة أحب الناس إليه في مخزومية سرقت فقال: «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد (٣)».

وعلى الجانب الآخر نزل القرآن يبرئ يهوديا من تهمة ألصقت به بغير حق، رغم أن اليهود يومئذ أعدى أعداء الدعوة والدولة معا. . لكن هذا البغض لم يحف بالعدل الإسلامي عن طريقه المستقيم. وكانت نهاية الآيات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} (٤)

والعدل الإسلامي لا يعرف الظلم، ولا يحبه ولا يسكت عليه: إن الله لا يحب الظالمين.

«إن الله قد حرم الظلم على نفسه فلا تظالموا (٥)»


(١) سورة النساء الآية ١٣٥
(٢) سورة المائدة الآية ٢
(٣) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٧٥)، صحيح مسلم الحدود (١٦٨٨)، سنن الترمذي الحدود (١٤٣٠)، سنن النسائي قطع السارق (٤٩٠٣)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٧٣)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٤٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٦٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٠٢).
(٤) سورة النساء الآية ١١٣
(٥) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٧٧).