للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«الظلم ظلمات يوم القيامة (١)».

«إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده (٢)».

وهي قبل ذلك وبعد ذلك شريعة ربانية:

و" ربانيتها " تجعل القلوب لها خير حارس وأقوى حارس، لا يغني عنها كثير من الحراس، وتغني هي عن كثير من الحراس.

انظروا كيف حركت " الربانية " مشاعر امرأة وإحساسها. . فراحت من تلقاء نفسها تعترف بذنب عقوبته " الإعدام ". راحت الغامدية تعترف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقارفتها لجريمة الزنا، ويردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة. . ومرة. . فتعود بعد ذلك من تلقاء نفسها كذلك - بغير حاجة إلى شرطة ولا مباحث ولا مخابرات - تعود لتقول: «طهرني يا رسول الله "، فيقيم عليها الحد، ويقول - صلى الله عليه وسلم - في حقها: لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم (٣)».

ويفعل مثلها " ماعز " ويراجعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات فيصر على اعترافه! أين هذا من جرائم اليوم؟! يحتاج أصحابها إلى أكثر من جهاز يتتبعهم ثم لا يلبث أن ينتزع منهم الاعتراف انتزاعا!!

وفي مجال آخر تحرك " الربانية " ضمائر الناس. فيعطون الزكاة عن طيب خاطر، لا يتهربون ولا يخفون ولا يستخفون، حتى تستطيع حصيلة الضرائب في يوم ما أن تغطي حاجة الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وتفيض بعد ذلك، فتفعل الدولة ما لم تفعله أغنى دول العالم ولا أرقاها، تسدد عن الناس ديونهم.

واليوم تفرض الدولة " الضرائب " وترسل وراءها الجباة والمراقبين للتهرب، وما تستطيع أن تحصل " الحصيلة " الحقيقية للضريبة المفروضة.

ومثل أخير: حرمت الخمر في أمريكا بتشريع. . فما أطاعه أحد، بل بذلت الدولة لتنفيذه من وسائل الترغيب والترهيب ما بلغ في الأولى تقرير الجوائز وما بلغ في الثانية حد الإعدام. . وما استطاعت - رغم ذلك - أن تفرض احترام " قانونها " واضطرت للعدول عنه بعد ذلك.

وفي دولة الإسلام نزل التشريع الرباني بتحريم الخمر. . منتهيا بقول الله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٤)


(١) صحيح البخاري المظالم والغصب (٢٤٤٧)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٧٩)، سنن الترمذي البر والصلة (٢٠٣٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٠٦).
(٢) سنن الترمذي الفتن (٢١٦٨)، سنن أبو داود الملاحم (٤٣٣٨)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٧).
(٣) صحيح مسلم الحدود (١٦٩٦)، سنن الترمذي الحدود (١٤٣٥)، سنن النسائي الجنائز (١٩٥٧)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٤٠)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤٣٠)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٢٥).
(٤) سورة المائدة الآية ٩١