للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العسير عليه تذوق نصوصها ومعرفة معاني الآيات التي يتعبد ربه بتلاوتها، ولم يجد في نفسه تلك المتعة التي يحس بها من أجاد قواعد اللغة وتمكن من معاني مفرداتها، ورب خطأ غير مقصود في كلمة من كلمات القرآن الكريم أو في حرف من حروفه أو في حركة من حركاته في الإعراب أدى إلى عكس المقصود منه. بل لعله يؤدي إلى الكفر كما حدث لذلك الأعرابي الذي قدم المدينة في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: من يقرئني مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ فأقرأه رجل سورة براءة فلما بلغ إلى قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (١) قرأها بكسر لام رسوله، فقال الأعرابي: أو بريء الله من رسوله؟ فإن يكن الله بريء من رسوله فأنا أبرأ منه. . فبلغ عمر مقالة الأعرابي فدعاه فقال: يا أعرابي أتبرأ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن فسألت من يقرئني فأقرأني هذا سورة براءة فقال: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (٢) فقلت: أو قد برئ الله من رسوله؟ إن يكن برئ منه فأنا أبرأ منه فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابي، قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ قال: ورسوله (بالضم) فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ مما بريء الله ورسوله منه. فأمر عمر أن لا يقرئ الناس إلا عالم باللغة وأمر أبا الأسود فوضع النحو.

وصنف بعض العلماء كتبا في إعراب القرآن مثل الإمام أبي البقاء العكبري وابن خالويه وغيرهما، وصنف آخرون في بلاغة القرآن وفي إعجازه، بل إن الأمثلة في مصنفات علم النحو والبلاغة التي استشهد بها المؤلفون كان أكثرها مستمدا من القرآن الكريم والحديث الشريف.

* * *

ونعود إلى الحديث عن (لو) بعد هذه المقدمة فنقول: إنها عند أهل اللغة وعلماء النحو (حرف امتناع لامتناع) تقول: (لو ذهبت معنا لسررت) فامتنع سرورك لامتناع ذهابك؛ لأن الأول متعلق بالثاني ومشروط بوجود ومنه قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} (٣) وهذا بخلاف (لولا) فهي حرف امتناع للوجود، تقول: (لولا رحمة الله لهلك الناس) فوجودها منع هلاكهم. وذكر (ابن هشام) (٤) أنها تقتضي امتناع شرطها دائما لا جوابها، ثم إن لم يكن لجوابها سبب غيره لزمه امتناعه نحو {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} (٥)


(١) سورة التوبة الآية ٣
(٢) سورة التوبة الآية ٣
(٣) سورة التوبة الآية ٤٧
(٤) في كتابه أوضح المسالك (٣ ـ ٢٠٣)
(٥) سورة الأعراف الآية ١٧٦