للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولئن كانت المرحلة الأولى (وهي مرحلة الفساد الفكري والخلل العقدي) تتميز بالضلال وظهور أئمة الفساد الذين يدعون الناس إلى الباطل ويبررون كل منكر ويخضعون مبادئ الصراط القويم للمسار المنحرف بواسطة التأويل. . . فإن مرحلة الذنوب تتميز بأنها مرحلة انتشار وسائل الترف. وخضوع الأفكار للأشياء، وبروز العوامل المادية التي تهوي بالمجتمع إلى قاع الاستهلاك، حتى تصبح الثانويات والكماليات جزءا أساسيا في حياته.

وفي هذه المرحلة يتبلد الإحساس: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ} (١) وتنغمس القيادات والشعوب في ترف مزر، وتتحول العلاقة بين الحكام والمحكومين إلى (علاقة مادية مطلقة) فما دام الحكام يوفرون للشعوب حاجاتها التي يطمعون فيها فهي عنهم راضية حتى ولو دمروا الأخلاق وكانوا يمشون سيرة معوجة. . . وفي مثل هذه الحياة المترفة يكثر المفلسفون للفساد والمبررون له. . . وأكثر الفلسفات التي تنتشر تؤيد إشباع الغرائز، وتدعو إلى الانفتاح على الترف المادي، وتزين للناس توفير كل سبل الحياة المادية، ولا مكان في هذه الحياة للآخرة، ولا لعالم القيم العليا، ولا لدعوات التسامي والتضحية والإيثار والجهاد بل تقف الماديات وحدها هي الأمل وهي القيم العليا والغاية المرجوة، يقول القرآن مصورا هذه الحياة المادية بكل أبعادها.

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} (٢).

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} (٣) {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} (٤).


(١) سورة يونس الآية ١٠١
(٢) سورة آل عمران الآية ١٤
(٣) سورة سبأ الآية ٣٤
(٤) سورة سبأ الآية ٣٥