إنها مرحلة (سيطرة الأشياء على القيم والأفكار)، وهي مرحلة التردد والتذبذب في كل شيء، فالحق قد يكون معروفا بوضوح، لكن الأمة المنغمسة في الترف لا تعطي الحق إلا بعض الكلمات في بعض المناسبات، أو تجعله أشبه ما يكون (بالشعارات)، لكنه بعيد عن عالم التطبيق، إن ضغط (الأشياء) وشتى مظاهر الترف على العقول والسلوكيات تحول دون تطبيق الحق المعروف، وإن السواعد المترفة تضعف عن تحمل واجبات الحق المعروف والواضح، وتظهر في الطريق فلسفات تحاول تبرير هذا الوضع، بل والنظر إليه على أنه (التقدم) فتصبح المهرجانات والمباريات والمسابقات والاحتفالات وما يصحبها من صور البذخ والإسراف واللهو وتمجيد التافهين. . تصبح أكبر وسيلة للتعبير عن حالة (التحضر)، وقد يخدع بعض العقلاء أنفسهم فيحاولون مهادنة هذه الأوضاع أو الرضا بها وتبريرها، وتعلمنا مسيرة الرومان أن حضارتهم في عصر النشأة والقوة كانت تتميز بقلة الرغبات والحاجات، وكانت عقيدتهم قوية لدرجة أن كل أفرادهم كانوا مستعدين للتضحية؛ لأن قيمة الحياة (مع قلة الحاجات والرغبات) تصبح لعينة، وترتفع أسهم القيم العليا. . .
ومن خصائص هذا الوضع جفاف منابع الإرادة، وقلة الخيال السامي الذي يحدو بناة الأمم عادة وصناع الحضارات، وتنحصر الآمال في (اللحظة) وفي إطار (العمر الممدود) الذي يراد الاستفادة منه في المتعة إلى أقصى الحدود دون تفكير في المستقبل، حتى في المستقبل القريب، ودون تفكير حتى في الأقطار المحيطة بالأمة، والتي عادة ما تكون قوية جدا في مثل هذه الظروف.
(لنتذكر حالة ملوك الطوائف في الأندلس وتربص نصارى الشمال الأسباني بهم ولنتذكر قبلهم حالة الرومان كما صورها جيبون أثناء سقوط