للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والشر، بل يصبح الانتماء الطائفي أو العرقي أو الحزبي أو العنصري أو الوطني هو الأصل، وهو يغفر لأصحابه كل زلاتهم وإهمالهم.

ومن آثار مرحلة الترف على الكيان الإنساني تدمير العاطفة البشرية والابتلاء بقسوة القلب وغلظته، وعندما تصل القلوب في أمة إلى مرحلة غلظة القلوب وقسوتها تفقد الأمة كثيرا من وشائج الرحمة وأواصر التراحم، ولا يستجيب الناس للحق إلا على مطارق الموت لغرورهم وفساد قلوبهم، ويتجرأ السفلة القساة على المصلحين الهداة، ولربما يبحثون لهم عن مثالب وتهم يسكتونهم بها، وينتشر العناد والمكابرة ومظاهر الصراع الغليظة، وينزوي الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وتصبح (القوة) و (الثروة) و (الأنانية الفردية) و (الأثرة) هي القيم المسيطرة، ويضطر الضعفاء - وهم الغالبية تحت ضغط هذه القيم الغابية - إلى الملق والنفاق والكذب والسلبية.

وهذه هي قيم (الوهن) التي يدفع إليها هذا الوضع المزري، وتدفع إليها غريزة «حب الدنيا وكراهية الموت (١)» كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢) فتسود المجتمع روح الاستهانة والاستكانة وكراهية العمل، ويصبح أفراد المجتمع «غثاء كغثاء السيل (٣)» ولا ينجو أحد - إلا قلة قليلة - من هذه الروح العامة، حتى العلماء والمفكرون لا يتورع بعضهم عن تطويع الدين لتبرير الأموال وتحريف الكلم عن مواضعه، وهكذا تصبح النظرة (المادية والنفعية والحسية) هي سمة هذه المرحلة البارزة، وهي الروح العامة المهيمنة على الحياة الفردية والاجتماعية، وتحاصر - في المقابل - الاتجاهات الأخلاقية والروحية، ولربما سخر الناس من


(١) سنن أبو داود الملاحم (٤٢٩٧)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٧٨).
(٢) رواه أبو داود
(٣) سنن أبو داود الملاحم (٤٢٩٧)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٧٨).