للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعقد الثعالبي في كتابه (فقه اللغة) فصلا في إلغاء خبر (لو) اكتفاء بما يدل عليه الكلام وثقة بفهم المخاطب وقال: إن ذلك من سنن العرب كقول الشاعر:

وجدك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

والمعنى: لو أتانا رسول سواك دفعناه. وفي القرآن الكريم حكاية عن لوط عليه السلام: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} (١) وفي ضمنه لكنت أكف أذاكم عني، ومثله قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} (٢) والخبر عنه مضمر كأنه قال: لكان هذا القرآن (٣). ويؤيده في ذلك قول القرطبي: والجواب محذوف تقديره لكان هذا القرآن (ثم يقول): لكن حذف إيجازا لما في ظاهر الكلام من الدلالة عليه كما قال امرؤ القيس.

فلو أنها نفس تموت جميعة ... ولكنها نفس تساقط أنفسا

يعني (لهان علي) هذا معنى قول قتادة قال: لو فعل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعله قرآنكم. وقيل: الجواب متقدم وفي الكلام تقديم وتأخير، أي وهم يكفرون بالرحمن لو أننا نزلنا القرآن وفعلنا بهم ما اقترحوا (٤) وذكر الطبري: في تفسيره قول بعضهم: إنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وجعلوا جواب (لو) مقدما قبلها، وقال آخرون: بل هو كلام مبتدأ منقطع عن قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} (٥) قال: وجواب (لو) محذوف دل عليه الكلام، والعرب تفعل ذلك كثيرا.

وذكر القرطبي: في قوله: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ} (٦) أن العلم هنا المعرفة فلا يقتضي مفعولا ثانيا، وجواب (لو) محذوف أي لو علموا الوقت الذي لا يكفون عن وجوهم النار وعرفوه لما استعجلوا الوعيد، وقيل: المعنى لو علموه لما أقاموا على الكفر ولآمنوا. ونقل ابن حجر في شرح البخاري عن ابن بطال في قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} (٧) أن جواب (لو) محذوف كأنه قال: (لحلت بينكم وبين ما جئتم له من الفساد) قال: وحذفه أبلغ لأنه يحصر بالنفي ضروب المنع، وإنما أراد لوط عليه السلام العدة من الرجال، وإلا فهو يعلم أن له من الله ركنا شديدا ولكنه جرى على الحكم الظاهر.


(١) سورة هود الآية ٨٠
(٢) سورة الرعد الآية ٣١
(٣) فقه اللغة ٤٩٩.
(٤) تفسير القرطبي: ٩: ٣١٩.
(٥) سورة الرعد الآية ٣٠
(٦) سورة الأنبياء الآية ٣٩
(٧) سورة هود الآية ٨٠