للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولتمام الفائدة نقول: إنك إذا أردت التحدث عن لفظ (لو) بوصفه كلمة مستقلة فإنك تجعله اسما وتعربه، وهي حين تقام مقام الاسم تصرف وتصير مرادفة للندم والتمني. وقال ابن مالك: إذا نسب إلى حرف أو غير حكم هو للفظه دون معناه جاز أن يحكى وجاز أن يعرب بما يقتضيه العامل.

وأشار الإمام البلوي: إلي ذلك في كتابه (ألف باء) واستشهد بقول الشاعر:

سبقت مقادير الإله وحكمها ... فأرح فؤادك من (لعل) ومن (لو)

وقول الآخر:

وقدما أهلكت (لو) كثيرا ... وقبل اليوم عالجها قدار

وجمع الشاعر بينها وبين (ليت) في شطر بيت بقوله: إن (لوا) وإن (ليتا) عناء

* * *

ونكتفي بهذا القدر عن (لو) في مجال اللغة والنحو، وننتقل إلى الكلام عنها من الناحية الشرعية فنقول: جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام في صحيحه في كتاب القدر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله عز وجل من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن (لو) تفتح عمل الشيطان (١)». ينهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تعويد ألسنتنا النطق بهذه الكلمة الصغيرة؛ لأنها تشير من طرف خفي إلى معارضة القدر، وهذه المعارضة يلقيها الشيطان في نفسك من حيث لا تحسها ولا تشعر بها فهي مفتاح من مفاتيحه الكثيرة، وحبالة من حبائله المتعددة التي يعدها ليصيد بها قلوب بني آدم ويستعين بها على إفساد نفوسهم أو إضلالهم أو إدخال الشك على قلوبهم في أقل المراتب.

وإن المسلم ليعلم علم اليقين أن ما أصابه من خير وما لحق به من شر وما ناله من سواء إنما كان بقضاء الله وقدره منذ الأزل، وأن ما قدره الله سبحانه واقع لا محالة.


(١) صحيح مسلم القدر (٢٦٦٤)، سنن ابن ماجه المقدمة (٧٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٧٠).