للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد نهى العلماء عن تعويد اللسان النطق بكلمة (لو) ومن الخير أن تضمر في نفسك شرط مشيئة الله فتقول في نفسك: (إلا أن يشاء الله). أما إذا قلت: (لو) ناويا التأسف على ما فاتك من طاعة الله والاستكثار من الخير فهو جائز، ويدخل هذا المعنى في باب التمني الذي تستعمل له هذه الكلمة أحيانا.

وإذا طال بك السهر وأويت إلى فراشك بعد هزيع من الليل، ثم غلبك النوم فلم تنهض إلى صلاة الفجر مع أنك كنت عازما في قرارة نفسك على النهوض إليها فإنك تحس إذ ذاك بالندم على تقصيرك ويخالط نفسك الأسى وتشعر بالأسف لهذا السهر الذي حال بينك وبين أداء الفريضة في وقتها، وتقول: لو أنني لم أسهر لم تفتني الصلاة، ولا تقصد بقولك هذا معارضة القدر، ولكنك تظهر التأسف والندم على تقصيرك وإهمالك.

* * *

وعقد الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه كتابا من التمني أورد فيه بابا سماه (باب ما يجوز من اللو) ذكر فيه قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} (١) وأورد بعض الأحاديث في هذا المعنى مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو كنت راجما امرأة من غير بينة (٢)» ومثل قوله: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك (٣)»

* * *

وقال الإمام القسطلاني - رحمه الله -: ولا معارضة بين ما ورد من الأحاديث الدالة على الجواز والدالة على النهي؛ لأن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع، فيكون المعنى لا تقل لشيء لم يقع: لو أني فعلت كذا لوقع قاضيا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله، وإن ما ورد من التلفظ بكلمة (لو) محمول على ما إذا كان قائله موقنا بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله وإرادته قاله الطبري.

ونقل الإمام ابن حجر عن الطبري في طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد من الأحاديث الدالة على الجواز أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع، وقال: إن معنى الحديث، لا تقل لشيء لم يقع لو أني فعلت كذا لوقع قاضيا بتحتم ذلك، وهو كقول أبي بكر في الغار: (لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا). فجزم بذلك


(١) سورة هود الآية ٨٠
(٢) صحيح البخاري التمني (٧٢٣٨)، صحيح مسلم كتاب اللعان (١٤٩٧)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٧٠)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٦٠)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٣٦).
(٣) قال الإمام القسطلاني: إن مآل (لولا) إلى (لو) إذ معناه (لو لم تكن المشقة لأمرتهم به) وهذا يرفع استشكال ما عقد عليه الباب في قوله: ما يجوز من اللو.