للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مع تيقنه أن الله قادر على أن يصرف أبصارهم عنهما بعمى أو غيره، لكن جرى على حكم العادة الظاهرة وهو موقن بأنهم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروهما إلا بمشيئة الله تعالى.

* * *

ويقول القاضي عياض: وهذا لا حجة فيه؛ لأنه إنما أخبر عن مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدر بعد وقوعه. . إلى أن يقول: والذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه ولكنه نهي تنزيه.

ويعقب الإمام النووي على هذا القول مؤيدا ومستشهدا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي (١)» فيكون نهي تنزيه لا تحريم، أما من قاله تأسفا على ما فات من طاعة الله ونحوه فلا بأس به. اهـ.

ونقل ابن حجر عن القرطبي: أن المراد من الحديث الذي أخرجه مسلم أن الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله والرضى بما قدر والإعراض عن الالتفات لما فات، فإنه إذا فكر فيما فاته من ذلك فقال: لو أني فعلت كذا لكان كذا جاءته وساوس الشيطان فلا تزال به حتى يفضي إلى الخسران فيعارض بتوهم التدبير سابق المقادير، وهذا هو عمل الشيطان المنهي عن تعاطي أسبابه، وليس المراد ترك النطق (بلو) مطلقا إذ قد نطق النبي - صلى الله عليه وسلم - بها في عدة أحاديث، ولكن محل النهي عن إطلاقها إنما هو فيها إذا أطلقت معارضة للقدر مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور. اهـ.

وكما أشار القرطبي - رحمه الله -: فقد وردت كلمة (لو) في عدة أحاديث نذكر منها حديث «لو سلك الناس واديا أو شعبا (٢)» وحديث «لو مد بي في الشهر لواصلت (٣)». .) وحديث «لو تأخر - يعني الهلال - لزدتكم (٤)». .) وغيرها.

ووردت في آيات عدة من القرآن الكريم كقول الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: و {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} (٥) و {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} (٦) و {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ} (٧) و {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} (٨) و {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} (٩) وغيرها.

وقال السبكي: وقد تأملت اقتران «احرص على ما ينفعك (١٠)» بقوله: (وإياك واللو) فوجدت الإشارة إلى محل (لو) المذمومة وهي نوعان: أحدهما في الحال ما دام فعل الخير ممكنا فلا يترك لأجل فقد شيء آخر فلا تقول: لو أن كذا كان موجودا لفعلت كذا مع القدرة على فعله ولو لم يوجد ذاك، بل يفعل الخير ويحرص على عدم فواته، والثاني من فاته أمر من أمور الدنيا فلا يشغل نفسه.


(١) صحيح البخاري التمني (٧٢٢٩).
(٢) صحيح البخاري المغازي (٤٣٣٢)، صحيح مسلم الزكاة (١٠٥٩)، سنن الترمذي المناقب (٣٩٠١)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٦٩).
(٣) صحيح البخاري التمني (٧٢٤١)، صحيح مسلم الصيام (١١٠٤)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٥٣).
(٤) صحيح البخاري الصوم (١٩٦٥)، صحيح مسلم الصيام (١١٠٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٨١)، سنن الدارمي الصوم (١٧٠٦).
(٥) سورة الأعراف الآية ١٨٨
(٦) سورة آل عمران الآية ١٥٤
(٧) سورة آل عمران الآية ١٥٤
(٨) سورة التوبة الآية ٤٢
(٩) سورة آل عمران الآية ١٦٧
(١٠) صحيح مسلم القدر (٢٦٦٤)، سنن ابن ماجه المقدمة (٧٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٧٠).