ما ذكره في الجوزة من حرمة تعاطيها هو ما أفتى به قديما في سؤال ورد عليه، وخلاصته أن تحريم جوزة الطيب هو ما أفتى به الإمام المجتهد شيخ الإسلام ابن دقيق العيد أن الجوزة مسكرة، ونقله عنه المتأخرون من المالكية والشافعية واعتمدوه وناهيك بذلك. بل بالغ ابن العميد فجعل الحشيشة مقيسة على الجوزة، وذلك في سياق كلام يرد به على القرافي في التفرقة بين الحشيشة الخضراء والمحمصة، فجعل المحمصة هي المسكرة فقط، وأطال في ذلك بما ليس في الصميم، والمقصود بأنه انتهى إلى تأييد ما ذهب إليه من كون الجوزة مسكرة ومخدرة ومحرمة ثم قال:
وقد وافق المالكية والشافعية على إسكارها (جوزة الطيب) الحنابلة فنص إمام متأخريهم ابن تيمية وتبعوه على أنها مسكرة، ثم قال: وهو اقتضاء كلام بعض أئمة الحنفية، ففي فتاوى المرغيناني منهم:
المسكر من البنج ولبن الرماك أي أتان الخيل حرام ولا يحد شاربه، قال الفقيه أبو حفص: ونص عليه شمس الأئمة السرخسي. انتهى.
ثم قال: فثبت بما تقرر أنها حرام عند الأئمة الثلاثة بالنص وعند الحنفية بالاقتضاء (لأن الجوزة كالبنج في الإسكار)، وقد نصوا على حرمة البنج لإسكاره. وأطال في تأييد قوله بتحريم الجوزة، ثم في الفرق بين الإسكار والتخدير من جهة النشوة وعدمها. ثم انتهى إلى أنه لا اختلاف بين من عبر في نحو الحشيشة بالإسكار، ومن عبر بالتخدير والإفساد، لكن الواقع أن هناك فرقا جوهريا يظهر من تأمل ما سبق لابن تيمية - ويأتي مثله النووي وابن حجر - ثم قال: وعجبت ممن خاطر باستعمال الجوزة مع ما فيها من المفاسد والإثم لأغراضه الفاسدة؛ فإن تلك الأغراض تحصل جميعها بغيرها، فقد صرح رئيس الأطباء ابن سيناء في قانونه بأنه يقوم مقامها وزنها ونصف وزنها من السنبل، وشكر الله له نضجه وإخلاصه، ثم نقل عن بعض شروح الحاوي في الفقه الشافعي أن الحشيشة نجسة إن ثبت أنها مسكرة، وإن أنكر ابن حجر هذا النقل بناء على أن الشافعية لا يحكمون بنجاستها، قال: ونقل عن ابن دقيق العيد أنه لا ضمان على متلفها كالخمر. وتطرق إلى ذكر مضار عديدة، ثم جمعها فيما نقله عن بعض العلماء، أن في أكلها مائة وعشرين مضرة