للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذووا المعرفة بالجرح والتعديل، والحافظون طرق الصحيح والمعلول، اجتهدوا في تعلم ذلك وضبطه، وأتعبوا أنفسهم في سماعه وحفظه، وفنيت فيه أعمارهم، وبعدت فيه أسفارهم، واستقربوا له الشقة البعيدة، وهونوا لأجله المشقة الشديدة، حتى علموا - بتوفيق الله لهم - صحيح الآثار، ومنكر الروايات والأخبار، وعرفوا أهل النقل، من مجروح وعدل، ومتقن وحافظ، وصدوق وصالح، ولين وضعيف، وساقط، ومتروك، فنزلوا الرواة منازلهم، وميزوا أحوالهم ومراتبهم، ودونوا من الأحاديث صحيحها، ونبهوا على باطلها وموضوعها، (البخاري لم يلتزم إخراج ما صحح عنده ولا عن كل ثقة) وكان من أحسنهم مذهبا فيما ألفه، وأصحهم اختيارا لما صنفه، محمد بن إسماعيل البخاري هذب ما - في جامعه - جمعه، ولم يأل عن الحق فيما أودعه، غير أنه عدل عن كثير من الأصول، إيثارا للإيجاز وكراهة للتطويل، وإن كان قد عني عن المتروك بأمثاله، ودل على ما هو من شرطه بأشكاله، ولم يكن قصده - والله أعلم - استيعاب طرق الأحاديث كلها، ما صح إسناده، وإنما جعل كتابه أصلا يؤتم به، ومثالا يستضاء بمجموعه، ويرد ما شذ عنه إلى الاعتبار بما هو فيه.

سبب تأليف البخاري للصحيح

ويدل على ذلك ما أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ قال: سمعت الحسن بن الحسين البخاري (١) يقول: سمعت إبراهيم بن معقل (٢) يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت " من الصحاح لحال الطوال ".

- وأنبأنا أبو سعد أيضا قال أنبأنا عبد الله بن عدي (٣) قال: حدثني محمد بن أحمد القومسي قال: سمعت محمد بن حمدويه يقول: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح (٤).


(١) هو البزار.
(٢) هو النسفي.
(٣) في تاريخ بغداد زيادة " الحافظ ".
(٤) هدي الساري ٤٨٧ وشروط الأئمة الخمسة ٤٨ وتاريخ بغداد ٢: ٢٥.