بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ يَسِّرْ وَأَعِنْ يَا كَرِيمُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْضَحَ لَنَا شَرَائِعَ دِينِهِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِتَنْزِيلِ كِتَابِهِ وَأَمَدَّنَا بِسُنَّةِ رَسُولِهِ حَتَّى تَمَهَّدَ لِعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أُصُولٌ، بِنَصٍّ وَمَعْقُولٍ، تَوَصَّلُوا بِهَا إِلَى عِلْمِ الْحَادِثِ النازل، وإدراك الغامض الْمُشْكِلِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنْ هِدَايَتِهِ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ تَوَسَّطَ بِحُجَّتَيِ النصوص المنقولة والمعاني المعقولة حتى لم يصره بالميل إلى أحدهما مقصرا عن الأخرى أَحَقَّ، وَبِطَرِيقِهِ أَوْثَقَ. وَلَمَّا كَانَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى مُخْتَصَرِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِانْتِشَارِ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ عَنْ فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ، وَاسْتِطَالَةِ مُرَاجَعَتِهَا عَلَى الْعَالِمِ حَتَّى جَعَلُوا الْمُخْتَصَرَ أَصْلًا يُمْكِنُهُمْ تَقْرِيبُهُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ، وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْمُنْتَهِي، وَجَبَ صَرْفُ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ وَإِيقَاعُ الِاهْتِمَامِ بِهِ. وَلَمَّا صَارَ مُخْتَصَرُ الْمُزَنِيِّ بِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لَزِمَ اسْتِيعَابُ الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِهِ واستيفاء اختلاف الفقهاء المغلق بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ مُقْتَضَى الشرح الذي يقتضي الِاقْتِصَارَ عَلَى إِبَانَةِ الْمَشْرُوحِ لِيَصِحَّ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَدِ اعْتَمَدْتُ بِكِتَابِي هَذَا شَرْحَهُ عَلَى أَعْدَلِ شُرُوحِهِ وَتَرْجَمْتُهُ بِ " الْحَاوِي " رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ حَاوِيًا لِمَا أُوجِبُهُ بِقَدْرِ الحال من الاستيفاء والاستيعاب في أوضح تقديم وأصح ترتيب وأسهل مأخذ واحد فِي فُصُولٍ. وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَكْرَمَ مَسْؤُولٍ أَنْ يَجْعَلَ التَّوْفِيقَ لِي مَادَّةً وَالْمَعُونَةَ هِدَايَةً بِطَوْلِهِ وَمَشِيئَتِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ: اخْتَصَرْتُ هَذَا مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ مَعَ إِعْلَامِيِّهِ نَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَبِاللَّهِ التوفيق.
وقال الْمَاوَرْدِيُّ: ابْتَدَأَ الْمُزَنِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي كِتَابِهِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ حُسَّادِ الْفَضْلِ مَنْ أَغْرَاهُمُ التَّقَدُّمُ بِالْمُنَازَعَةِ، وَبَعَثَهُمُ الِاشْتِهَارُ عَلَى الْمَذَمَّةِ، وَكَانَ مِمَّنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيهَا " النَّهْرُمَانِيُّ " وَ " المغربي " و " القهي " وَأَبُو طَالِبٍ الْكَاتِبُ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُمُ ابْنُ دَاوُدَ فَكَانَ اعْتِرَاضُهُمْ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ؛ فَأَوَّلُ وُجُوهِ اعْتِرَاضِهِمْ فِيهَا أَنْ قَالُوا: لِمَ لَمْ يَحْمَدِ الله تعالى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute