فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ؛ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى شَعْرِ الْجَسَدِ؛ لِوُجُودِ مَعْنَى الرَّأْسِ فِيهِ وَزِيَادَةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَمَّا اخْتُصَّ شَعْرُ الرَّأْسِ بِالْإِحْلَالِ، وَجَبَ أَنْ يُخْتَصَّ بِالْفِدْيَةِ.
قُلْنَا: الْإِحْلَالُ نُسُكٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَالْحَلْقُ كَغَيْرِهِ حَظْرٌ يَأْثَمُ بِهِ، ثُمَّ إِنَّمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِيهِ؛ لِأَجْلِ التَّرْفِيهِ، فَاسْتَوَى شَعْرُ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ فِي التَّرْفِيهِ بِحَلْقِهِ فَاسْتَوَيَا فِي الْفِدْيَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْإِحْلَالِ.
فَصْلٌ
: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ شَعْرِ الْجَسَدِ، كَحُكْمِ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ، فَسَوَاءٌ أَخَذَهُ حَلْقًا، أَوْ نَتْفًا، أَوْ قَصًّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ نَصًّا: فَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ دفعة واحدة فذهب الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيُّ: عَلَيْهِ فِدْيَتَانِ، إِحْدَاهُمَا لِشَعْرِ رَأْسِهِ، وَالْأُخْرَى لِشَعْرِ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ مُخَالِفٌ لِشَعْرِ الْجَسَدِ، لِتَعَلُّقِ الْإِحْلَالِ بِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا، لَمْ يَتَدَاخَلَا كَالْجِنْسَيْنِ مِنْ حَلْقٍ وَتَقْلِيمٍ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُ، كَاللِّبَاسِ الَّذِي هُوَ جِنْسٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُ، فَلَوْ لَبِسَ قَمِيصًا، وَعِمَامَةً، وَخُفَّيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، لَزِمَتْهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ، مُخَالِفًا لِحُكْمِ صَاحِبِهِ، كَذَلِكَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ، جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ فِيهِمَا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا انْفِصَالٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ.
: وَإِذَا قَطَعَ نِصْفَ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ، أَوْ جَسَدِهِ فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: عليه من الفدية كقسط أَخَذَهُ مِنَ الشَّعْرَةِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ مُدٍّ عَلَى أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ، فَرْقًا بَيْنَ الْجُمْلَةِ وَالْأَبْعَاضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ مُدٌّ كَامِلٌ، لِأَنَّ الْإِحْلَالَ يَقَعُ، لِنَقْصِ بَعْضِ الشَّعْرِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْصِلْهُ كَمَا يَقَعُ بِحَلْقِهِ إِذَا اسْتَأْصَلَهُ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَ الْفِدْيَةُ الْكَامِلَةُ بِقَطْعِ بَعْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْصِلْهُ كَمَا يَلْزَمُ بِحَلْقِهِ، إِذَا اسْتَأْصَلَهُ وَالْأَوَّلُ أصح.
[فصل]
: إذا نبت فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ شَعْرٌ، فَتَأَذَّى بِهِ وَاضْطُرَّ إِلَى قَلْعِهِ فَلَهُ قَلْعُهُ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، لِأَنَّ قَلْعَهُ لِمَعْنًى فِي الشَّعْرِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْفِدْيَةُ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ وَكَذَلِكَ لَوْ طَالَ شَعْرُ رأسه أو حاجبيه، فاسترسل على عينيه وَمَنَعَهُ النَّظَرَ، قَالَ أَصْحَابُنَا: قَطَعَهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِذَا اضْطُرَّ إِلَى حَلْقِهِ لِأَجْلِ الْهَوَامِّ الْحَاصِلَةِ فِيهِ، أَوْ لِحَمْيِ رَأْسِهِ بِهِ، فَلَهُ حَلْقُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّهُ حَلَقَهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الشَّعْرِ، وَهُوَ الْهَوَامُّ وَشِدَّةُ الْحَرِّ، فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ. كَمَا لَوِ اضْطُرَّ إِلَى قَتْلِ الصيد أكله، وَقَدْ " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَعْبًا بِالْفِدْيَةِ مَعَ ضَرُورَتِهِ إِلَى الْحَلْقِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute